للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) (٣١: ٣٢) وَمِثْلُهَا فِي " سُورَةِ يُونُسَ " الْآيَةَ ٢٢ وَقَالَ تَعَالَى فِي " سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ": (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (١٧: ٦٧) فَسَّرُوا الضَّلَالَ هُنَا بِالنِّسْيَانِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا، وَأَمَّا ضَلَالُ آلِهَتِهِمْ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَيُرَادُ بِبَعْضِهَا غَيْبَتُهَا عَنْهُمْ بِعَدَمِ وُجُودِهَا مَعَهُمْ هُنَالِكَ وَحِرْمَانِهِمْ مِمَّا كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ شَفَاعَتِهَا، لَا غَيْبَتُهَا عَنْ قُلُوبِهِمْ وَخَوَاطِرِهِمْ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِنِسْيَانِهِمْ إِيَّاهَا جَعْلَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَنْسِيِّ بِعَدَمِ دُعَائِهَا، فَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيُّ فِي النِّسْيَانِ قَوْلَيْنِ، قَالَ: (الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ تَتْرُكُونَ الْأَصْنَامَ وَلَا تَدْعُونَهُمْ لِعِلْمِكُمْ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ (الثَّانِي) قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّكُمْ فِي تَرْكِكُمْ دُعَاءَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَدْ نَسِيَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: يُعْرِضُونَ عَنْهُ إِعْرَاضَ النَّاسِي. اهـ. أَقُولُ: لَمْ يَنْقِلِ ابْنُ جَرِيرٍ وَلَا ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفَاسِيرِهِمَا وَلَا السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ شَيْئًا فِي الْآيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا الْحَسَنِ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ مُفَسِّرِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْمُفَسِّرُونَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنْ جَوَازِ كَشْفِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ وَعَذَابِ السَّاعَةِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِدُعَائِهِمْ لِمُخَالَفَتِهِمْ لِمَا عُرِفَ مِنْ سَائِرِ النُّصُوصِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) (١٣: ١٤) وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَا مَضَتْ بِهِ سُنَّتُهُ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ هَذَا الْكَشْفِ لَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَقَدْ عَلَّقَ كَشْفَ ذَلِكَ هُنَا بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى، فَهُوَ يَقُولُ إِنَّهُ يَكْشِفُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ نَافِذَةٌ حَتَّى فِي كَشْفِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ وَأَهْوَالِ السَّاعَةِ، وَهُمَا النَّوْعَانِ اللَّذَانِ لَا تَتَعَلَّقُ قُدَرُ الْمَخْلُوقِينَ الْمَوْهُوبَةُ لَهُمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمَا ; لِأَنَّهُمَا فَوْقَ الْأَسْبَابِ الَّتِي سَخَّرَهَا اللهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى لَا يَشَاءُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي حِكْمَتَهُ

وَتَقْدِيرَهُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ سُنَنُهُ فِي الْأُمَمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِتْيَانِ عَذَابِ اللهِ ظُهُورُ أَمَارَاتِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَبِالسَّاعَةِ الْقِيَامَةُ الصُّغْرَى أَيِ الْمَوْتُ بِظُهُورِ عَلَامَاتِهِ وَنُزُولِ سَكَرَاتِهِ، وَالْإِيمَانُ يُقْبَلُ قَبْلَ وُصُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهِ بِالْفِعْلِ وَقَبْلَ بُلُوغِ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ مِنَ الْمُحْتَضِرِ، وَقِيلَ: إِنَّ بَعْضَ كُرُوبِ السَّاعَةِ تُكْشَفُ حَتَّى عَنِ الْكُفَّارِ كَكَرْبِ طُولِ الْوُقُوفِ بِالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِدُعَائِهِمْ.

وَمِنْ مَبَاحِثِ اخْتِلَافِ الْأَدَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ أَنَّ نَافِعًا قَرَأَ أَرَأَيْتَ وَأَرَأَيْتُمْ - بِكَافٍ وَبِغَيْرِ كَافٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ - بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ جَعَلَهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>