للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْذِرْ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي لَا حَاكِمَ فِيهِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَيَعْمَلُونَ فِي هَذِهِ الدَّارِ عَمَلًا يُنْجِيهِمُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ، وَيُضَاعِفُ لَهُمْ بِهِ الْجَزِيلَ مِنْ ثَوَابِهِ. اهـ.

فَالْآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ فِي إِنْذَارِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللهَ وَيَرْجُونَهُ، وَقَدْ رَوَى

أَحْمَدُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا فِي صُهَيْبٍ وَعَمَّارٍ وَبِلَالٍ وَخَبَّابٍ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَتْ نَافِيَةً لِلشَّفَاعَةِ عَنْهُمْ لَجَأَ بَعْضُ مُفَسِّرِي الْخَلَفِ إِلَى تَأْوِيلِهَا،، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ " لِأَنَّ شَفَاعَةَ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا تَكُونُ بِإِذْنِ اللهِ؛ لِقَوْلِهِ: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٢: ٢٥٥) فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الشَّفَاعَةُ بِإِذْنِ اللهِ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى " قَالَهُ الرَّازِيُّ فِي وَجْهِ نُزُولِ الْآيَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَذَكَرَ فِيهَا وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّهَا عَامَّةٌ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَفَّارِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ مُشْرِكُو مَكَّةَ وَمَاحَوْلَهَا، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُهُمْ بِدَلَائِلِ الْعُمُومِ، وَكَانَ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ الْحَشْرَ وَيَثْبِتُونَ الشَّفَاعَةَ عِنْدَ اللهِ لِآلِهَتِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا لَهُمُ التَّمَاثِيلَ وَالْأَصْنَامَ، كَإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ فَقَالَ بِالْبَعْثِ، وَلَا أَذْكُرُ الْآنَ أَنَّهُ كَانَ فِي مَكَّةَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عِنْدَ نُزُولِ السُّورَةِ، وَلَا يَعْقِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي إِنْذَارِ هَذَا الشَّاذِّ النَّادِرِ.

وَلَكِنَّ أَبَا السُّعُودِ تَنَطَّعَ فِي التَّأْوِيلِ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِنْذَارَ هُنَا مُوَجَّهٌ " إِلَى مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُمُ التَّأَثُّرُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُمُ الْمُجَوِّزُونَ مِنْهُمْ لِلْحَشْرِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي سَوَاءٌ كَانُوا جَازِمِينَ بِأَصْلِهِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ الْمُعْتَرِفِينَ بِالْبَعْثِ الْمُتَرَدِّدِينَ فِي شَفَاعَةِ آبَائِهِمُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَالْأَوَّلِينَ، أَوْ فِي شَفَاعَةِ الْأَصْنَامِ كَالْآخَرِينَ، أَوْ مُتَرَدِّدِينَ فِيهِمَا مَعًا كَبَعْضِ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا بِحَدِيثِ الْبَعْثِ يَخَافُونَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا، وَأَمَّا الْمُنْكِرُونَ لِلْحَشْرِ رَأْسًا، وَالْقَائِلُونَ بِهِ الْقَاطِعُونَ بِشَفَاعَةِ آبَائِهِمْ أَوْ بِشَفَاعَةِ الْأَصْنَامِ، فَهُمْ خَارِجُونَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِنْذَارِهِمْ، وَقَدْ قِيلَ: هُمُ الْمُفَرِّطُونَ فِي الْأَعْمَالِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يُسَاعِدُهُ سِبَاقُ النَّظْمِ الْكَرِيمِ وَلَا سِيَاقُهُ، بَلْ فِيهِ مَا يَقْضِي بِاسْتِحَالَةِ صِحَّتِهِ، كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ " - هَذِهِ عِبَارَتُهُ - وَقَدْ جَعَلَ جُمْلَةَ (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ) حَالًا مِنْ ضَمِيرِ (يُحْشَرُوا) قَالَ: " وَالْمَعْنَى: أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا غَيْرَ مَنْصُورِينَ مِنْ جِهَةِ أَنْصَارِهِمْ عَلَى زَعْمِهِمْ، وَمِنْ هَذَا اتَّضَحَ أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْخَائِفِينَ الْمُفْرِّطِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ سِوَاهُ تَعَالَى يَخَافُونَ

الْحَشْرَ بِدُونِ نُصْرَتِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَخَافُونَهُ الْحَشْرَ بِدُونِ نُصْرَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ " انْتَهَى. وَقَدْ لَخَّصَ كَلَامَهُ السَّيِّدُ الْأَلُوسِيُّ فِي " رُوحِ الْمَعَانِي " وَقَالَ: " هُوَ تَحْقِيقٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَيَصْغُرُ لَدَيْهِ مَا فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ، وَلَعَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>