للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَحْوَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ وَلَا تَكْلِيفٌ، فَبِأَنْ لَا يُهْمِلَ الْأَحْوَالَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ أَوْلَى.

(وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَحْوَالَ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ فَيَمْتَنِعُ تَغْيِيرُهَا عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْعِلْمِ وَإِلَّا لَزِمَ الْجَهْلُ، فَإِذَا كَتَبَ أَحْوَالَ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّامِّ امْتَنَعَ أَيْضًا تَغْيِيرُهَا وَإِلَّا لَزِمَ الْكَذِبُ، فَتَصِيرُ كِتَابَةُ جُمْلَةِ الْأَحْوَالِ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ مُوجِبًا تَامًّا وَسَبَبًا كَامِلًا فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَقَدُّمُ مَا تَأَخَّرَ وَتَأَخُّرُ مَا تَقَدَّمَ، كَمَا قَالَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -: " جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.

هَذَا مَا أَوْرَدَهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْحُكَمَاءِ يُرِيدُ بِهِ إِثْبَاتَ عِلْمِ الْغَيْبِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقَتِهِمْ، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إِقْرَارَ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ وَمَا قَالُوهُ فِي الْمَعْلُومِ وَالْعِلَّةِ.

(التَّفْسِيرُ الْمَرْفُوعُ لِمَفَاتِحِ الْغَيْبِ) .

هَذَا وَإِنَّ فِي تَفْسِيرِ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ حَدِيثًا صَحِيحًا فِيهِ مَبَاحِثُ دَقِيقَةٌ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣١: ٣٤) " وَهَذِهِ الْآيَةُ خَاتِمَةُ " سُورَةِ لُقْمَانَ "، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا هَذَا الْحَدِيثَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ " مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ " ثُمَّ قَرَأَ (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) وَرَوَاهُ بِلَفْظِ " مَفَاتِيحُ " فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ أَيْضًا، وَبِلَفْظِ " مَفَاتِحُ " فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَالرَّعْدِ، وَبِلَفْظِ " مِفْتَاحٌ " فِي أَبْوَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ قَالَ: " خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) الْآيَةَ. وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ قَوْلَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (٣: ٤٩) وَقَوْلَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِصَاحِبَيِ السِّجْنِ الَّذِي حَكَاهُ اللهُ عَنْهُ فِي سُورَتِهِ: (لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأَتْكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا) (١٢: ٣٧) وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي فِيمَا يُظْهِرُ اللهُ عَلَيْهِ رُسُلَهُ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، فَقَدْ قَالَ فِي سُورَةِ الْجِنِّ: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) (٧٢: ٢٦، ٢٧) وَأَدْخَلُوا فِيهِ مَا نُقِلَ كَثِيرًا عَنِ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الْكَشْفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَثَلِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ مِنْ كَسْبِ النَّاسِ وَالْإِخْبَارِ بِمَا فِي الْأَرْحَامِ، وَبِمَوْتِ بَعْضِ النَّاسِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا حَصَلَ لَهُ هَذَا الْكَشْفُ بِاتِّبَاعِهِ لِلرَّسُولِ كَانَ الْكَشْفُ لِلرَّسُولِ بِالْأَصَالَةِ وَلَهُ بِالتَّبَعِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهَمْزِيَّةِ بِقَوْلِهِ:

وَالْكَرَامَاتُ مِنْهُمْ مُعْجِزَاتٌ ... حَازَهَا مِنْ نَوَالِكَ الْأَوْلِيَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>