فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئًا " قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَقَالَ: " إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذُبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُؤَبِّرُونَ النَّخْلَ - يَقُولُ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ -، فَقَالَ: " مَا تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: كُنَّا نَصْنَعُهُ، قَالَ: " لَعَلَّكُمْ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا كَانَ خَيْرًا " فَتَرَكُوهُ، فَنَفَضَتْ - أَوْ قَالَ: فَنَقَصَتْ - قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرَتْكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ " قَالَ عِكْرِمَةَ: أَوْ نَحْوَ هَذَا. قَالَ الْمَعْقِرِيُّ: فَنَفَضَتْ وَلَمْ يَشُكَّ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ مَعًا بِلَفْظِ، مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا يَصْلُحْ " قَالَ، فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ: " مَا لِنَخْلِكُمْ؟ " قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: " أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ". وَالشِّيصُ: الْبُسْرُ الرَّدِيءُ، إِذَا يَبِسَ صَارَ حَشَفًا، وَاخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رُوِيَتْ بِالْمَعْنَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَوْلُ خَبَرًا، وَإِنَّمَا كَانَ ظَنًّا كَمَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، قَالُوا: وَرَأْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُمُورِ الْمَعَايِشِ وَظَنُّهُ كَغَيْرِهِ، فَلَا يَمْتَنِعُ وُقُوعُ مِثْلِ هَذَا، وَلَا نَقْصَ فِي ذَلِكَ، وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ هِمَمِهِمْ بِالْآخِرَةِ وَمَعَارِفِهَا، وَاللهِ أَعْلَمُ. اهـ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَاءِ بَدْرٍ فَهِيَ مَا رَوَاهُ أَهْلُ السِّيَرِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ لِلِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ نَزَلَ عِنْدَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ - أَيْ أَقْرَبِهِ - فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللهُ تَعَالَى لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ وَلَا نَتَأَخَّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: " بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى تَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ
(أَيْ قُرَيْشٍ) فَإِنِّي أَعْرِفُ غَزَارَةَ مَائِهِ - كَثْرَتَهُ - بِحَيْثُ لَا يَنْزَحُ، فَنَنْزِلُهُ ثُمَّ نُغَوِّرُ مَا عَدَاهُ مِنَ الْقُلُبِ (جَمْعُ قَلِيبٍ كَقَتِيلٍ، وَهُوَ مَا لَمْ يُبْنَ مِنَ الْآبَارِ) ثُمَّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا، فَنَمْلَأُهُ مَاءً، فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ ".
هَذَا وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُؤَلِّفِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ يُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ - وَتَعْظِيمِ مَنْ دُونَهُمْ بِالْأَقْوَالِ كَالشُّعَرَاءِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ مَا جَاءُوا بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَمَا ثَبَتَ فِي سِيرَتِهِمْ. وَالْقَاضِي عِيَاضٌ - أَحْسَنَ اللهُ جَزَاءَهُ - كَانَ مِنَ الْمَيَّالِينَ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute