للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَإِنَّ مِنْ حُبِّهِمَا - وَهُوَ مِنْ آيَاتِ الْإِيمَانِ بِهِمَا - أَنْ يُحِبَّ الْمُؤْمِنُ نَجَاةَ أُصُولِهِمَا، وَلَكِنْ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لَنَا فِي مُحْكَمِ الذِّكْرِ، وَأَنْ يَطَّلِعَ رَسُولُهُ عَلَى عَاقِبَتِهِ فِي النَّارِ، فَيُخْبِرُ أُمَّتَهُ بِهِ لِكَمَالِ التَّوْحِيدِ وَالِاعْتِبَارِ، أَفَيَكُونُ مُقْتَضَى حَبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ وَبَيَانُهُ كَمَا بَيَّنَاهُ؟ أَمْ يَكُونُ حُبُّهُمَا تَحْرِيفَهُ وَتَأْوِيلَهُ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِ نَسَبِ الرُّسُلِ، وَاسْتِعْظَامًا لِهَلَاكِ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُمْ نَسَبًا مَعَ كَرَامَتِهِمْ عِنْدَ اللهِ، وَتَأَثُّرًا بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْمِلَلِ الَّذِينَ جَعَلُوا نَجَاةَ الْخَلْقِ وَسَعَادَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِجَاهِ أَنْبِيَائِهِمْ وَتَأْثِيرِهِمُ الشَّخْصِيِّ عِنْدَ اللهِ لَا بِاتِّبَاعِهِمْ وَالِاهْتِدَاءِ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٣: ٥٣) .

نَعَمْ، إِنَّ مِمَّا يُصْدِعُ الْفُؤَادَ، وَيَكَادُ يُفَتِّتُ أَصْلَبَ الْجَمَادِ، أَنْ يَرَى الْمُؤْمِنُ وَالِدَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ قَدْ أُثْبِتَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ، وَأَطْلَعَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى أَنَّ مَآلَهُ أَنْ يُمْسَخَ حَيَوَانًا مُنْتِنًا وَيَلْقَى فِي سَعِيرِ النِّيرَانِ، كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي " كِتَابِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ " وَ " كِتَابِ التَّفْسِيرِ " مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ

قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ " لَا تَعْصِنِي " فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَارَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَلَّا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى " إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ " ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ انْظُرْ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ " قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ. وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، فَيَقُولُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَنْتَ أَخَذْتَهُ مِنِّي، قَالَ: انْظُرْ أَسْفَلَ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا ذِيخٌ يَتَمَرَّغُ فِي نَتْنِهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ: فَيَمْسَخُ اللهُ أَبَاهُ ضَبْعًا فَيَأْخُذُ بِأَنْفِهِ (أَيْ يَأْخُذُ إِبْرَاهِيمُ أَنْفَهُ بِأَصَابِعِهِ كَرَاهَةً لِرَائِحَةٍ نَتْنِهِ، فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي، أَبُوكَ هُوَ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعَزَّتِكَ. وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: فَيُحَوَّلُ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ فِي صُورَةِ ضَبْعَانٍ. زَادَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَإِذَا رَآهُ كَذَا تَبَرَّأَ مِنْهُ وَقَالَ: لَسْتَ أَبِي. وَالذِّيخُ - بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ - ذَكَرُ الضِّبَاعِ، وَلَا يُقَالُ: ذِيخٌ إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِيرَ الشِّعْرِ. وَالضِّبْعَانُ لُغَةٌ فِي الضَّبْعِ. اهـ.

أَقُولُ: الضِّبْعَانُ - بِالْكَسْرِ - ذَكَرُ الضِّبَاعِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ، وَالضَّبُعُ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا - هِيَ الْأُنْثَى فَلَا يُقَالُ: ضَبْعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَهُوَ وَحْشٌ خَبِيثُ الرَّائِحَةِ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ خُبْثَ الشِّرْكِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ: قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي مَسْخِهِ لِتَنْفُرَ نَفْسُ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُ، وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّارِ عَلَى صُورَتِهِ فَيَكُونُ غَضَاضَةً عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي مَسْخِهِ ضَبْعًا أَنَّ الضَّبْعَ مِنْ أَحْمَقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>