للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلتَّسْلِيَةِ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمُصِيبَةِ. وَمَعْنَى " قَفَّا " وَلَّى قَفَاهُ مُنْصَرِفًا. انْتَهَى. وَوَرَدَ حَدِيثٌ مِثْلُهُ فِي أُمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي " وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ بِلَفْظِ: " زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنَّ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ " وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وُجِدَتْ فِي نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ دُونَ الْمَشَارِقَةِ، وَلَكِنَّهَا تُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَيُضَبَّبُ عَلَيْهَا، وَرُبَّمَا كُتِبَتْ فِي الْحَاشِيَةِ. وَذَكَرَ أَنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَرِجَالُهُ عِنْدَهُمْ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، قَالَ: فَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ: فِيهِ جَوَازُ زِيَارَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَيَاةِ وَقُبُورِهِمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ زِيَارَتُهُمْ بَعْدَ الْوَفَاةِ فَفِي الْحَيَاةِ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) (٣١: ١٥) وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهُ: سَبَبُ زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَهَا أَنَّهُ قَصْدُ الْمَوْعِظَةِ وَالذِّكْرَى بِمُشَاهَدَةِ قَبْرِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: " فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الْمَوْتَ " انْتَهَى. فَهَذَا كَلَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ، أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (٩: ١١٣، ١١٤) نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ. وَلَكِنْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا عَرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لِيُحَاجَّ لَهُ بِهَا أَوْ يُجَادِلَ عَنْهُ أَوْ يَشْفَعَ لَهُ بِهَا، وَكَانَ عِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: أَتَرْغَبُ

عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ إِنَّهُ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَهَا، فَحِينَئِذٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ " فَأَنْزَلَ اللهُ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (٩: ١١٣) إِلَخْ. وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (٢٨: ٥٦) قِيلَ فِي تَفْسِيرِ " مَنْ أَحْبَبْتَ " مَنْ أَحْبَبْتَ هِدَايَتَهُ. وَقِيلَ: مَنْ أَحْبَبْتَهُ بِقَرَابَةٍ وَنَحْوِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>