عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَابَةٌ مِنْ جَمِيعِ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا كَذَّبُوهُ وَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوهُ قَالَ " يَا قَوْمِ إِذَا أَبَيْتُمْ أَنْ تُبَايِعُونِي فَاحْفَظُوا قَرَابَتِي فِيكُمْ وَلَا يَكُونُ غَيْرُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ أَوْلَى بِحِفْظِي وَنُصْرَتِي مِنْكُمْ " وِفِي هَذَا الْمَعْنَى رِوَايَاتٌ أُخْرَى، وَالْمَعْنَى: إِنِّي لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا جِئْتُكُمْ
بِهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ جُعْلًا مِنْكُمْ، وَلَكِنْ مَوَدَّةَ الْقَرَابَةِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُحْفَظَ، وَهِيَ دُونُ مَا جَرَيْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَصَبِيَّةِ النَّسَبِ وَلَوْ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّ مِنْ تِلْكَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يَحْمَى الْقَرِيبُ قَرَابَتَهُ وَأَهْلَ نَسَبِهِ وَيُقَاتِلَ مَنْ عَادَاهُمْ، وَإِنِّي أَكْتَفِي مِنْكُمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَقَلُّهَا أَنْ لَا تُعَادُونِي وَلَا تُؤْذُونِي، وَأَعْلَاهَا أَنْ تَمْنَعُونِي وَتَحْمُونِي مِمَّنْ يُؤْذِينِي. وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْأَجْرِ عَلَى التَّبْلِيغِ فِي شَيْءٍ، فَإِنَّمَا يُعْطَى الْأَجْرُ عَلَى الشَّيْءِ مَنْ يَقْبَلُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ فَيُكَافِئُ صَاحِبَهُ بِمَنْفَعَةٍ تُوَازِيهِ أَوْ لَا تُوَازِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقَلِّ الْمَوَدَّةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، وَقِيلَ الْآيَةُ غَيْرُ ذَلِكَ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا الْأَقَارِبَ وَتَصِلُوا الْأَرْحَامَ بَيْنَكُمْ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: إِنَّهَا فِي الْأَنْصَارِ. وَقَوْلِ آخَرِينَ: إِنَّهَا فِي آلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ تُوجِبُ مَوَدَّتَهُمْ وَمُوَالَاتَهُمْ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حُبَّهُمْ وَوُدَّهُمْ وَوَلَاءَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ بُغْضَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ أَوِ النِّفَاقِ، وَلَكِنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَطْلُبْ مِنَ الْأُمَّةِ بِأَمْرِ اللهِ أَنْ تَجْعَلَ هَذَا أَجْرًا لَهُ عَلَى تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَالْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ، بَلْ أَجْرُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ إِخْوَانِهِ الرُّسُلِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي آيَاتٍ أُخْرَى، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهَا.
(إِنَّ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْآنِ كَمَا رَجَعْنَا، أَيْ مَا هُوَ إِلَّا تَذْكِيرٌ وَمَوْعِظَةٌ لِإِرْشَادِ الْعَالَمِينَ كَافَّةً، لَا لَكُمْ خَاصَّةً، وَهُوَ نَصٌّ فِي عُمُومِ الْبَعْثَةِ.
(وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute