للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِلْمٍ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي ذَاتِهِ أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ ادِّعَاءُ الْوَحْيِ، وَمِنْهُ ادِّعَاءُ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ آيَةُ الْأَنْعَامِ (١٤٤) وَهِيَ الثَّالِثَةُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَسَتَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ " أَوْ " لِلتَّنْوِيعِ فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ، كَأَنْ يُرَادَ بِالِافْتِرَاءِ ادِّعَاءُ النُّبُوَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَحْيِ، وَبِالثَّانِي ادِّعَاءُ الْوَحْيِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَإِنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ، وَمَا اخْتَرْنَاهُ أَظْهَرُ. قَالُوا: نَزَلَ هَذَا فِي الَّذِينَ ادَّعَوُا النُّبُوَّةَ مِنَ الْعَرَبِ، وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ تَخْصِيصُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ حُكْمِهِ مَنْ ذُكِرَ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ ادِّعَائِهِمُ النُّبُوَّةَ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالْمَعْرُوفُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ حَتَّى قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَفِي أَثْنَاءِ مَرَضِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ بِمَرَضِهِ وَثَبَ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ بِالْيَمَنِ، وَمُسَيْلِمَةُ بِالْيَمَامَةِ، وَطُلَيْحَةُ فِي بَنِي أَسَدٍ فَادَّعَوُا النُّبُوَّةَ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي تَارِيخِهِ، وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الْوَعِيدِ فَرْضُ وُقُوعِ الذَّنْبِ أَوْ تَوَقُّعِهِ، وَنَاهِيكَ بِوَعِيدِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ جَلَّ وَعَزَّ.

(وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ) أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ أَوِ ادَّعَى الْوَحْيَ مِنْهُ، وَمِمَّنِ ادَّعَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِنْزَالِ مِثْلِ مَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ، كَمَنْ قَالَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا) ٨: ٣١ وَهُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَدْ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ: إِنَّ الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَإِنَّهُ شِعْرٌ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَهُ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ أَنَّ هَذَا نَزَلَ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَخِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ أَسْلَمَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَكَانَ إِذَا أَمْلَى عَلَيْهِ " سَمِيعًا عَلِيمًا " كَتَبَ هُوَ " عَلِيمًا حَكِيمًا " وَالْعَكْسُ، فَشَكَّ وَكَفَرَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ، وَإِنْ كَانَ اللهُ يُنْزِلُهُ فَقَدْ أَنْزَلْتُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ. وَهَذَا تَمْثِيلُ رِوَايَةِ السُّدِّيِّ لِمَا كَانَ يُغَيِّرُهُ مِنْ عِبَارَةِ الْوَحْيِ، وَعِبَارَةُ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَانَ يُمْلِي عَلَيْهِ " عَزِيزٌ حَكِيمٌ " فَيَكْتُبُ " غَفُورٌ رَحِيمٌ " وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ بَاطِلَتَانِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ " سَمِيعًا عَلِيمًا

" وَلَا " عَلِيمًا حَكِيمًا " وَلَا " عَزِيزٌ حَكِيمٌ " إِلَّا فِي سُورَةِ لُقْمَانَ، وَالْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي خُتِمَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " عَزِيزٌ حَكِيمٌ " مِنْهَا وَثِنْتَيْنِ بَعْدَهَا مَدَنِيَّاتٌ (كَمَا فِي الْإِتْقَانِ) وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمْلَى عَلَيْهِ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ " الْمُؤْمِنُونَ ": (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ) ٢٣: ١٢ - فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) ١٤ عَجِبَ عَبْدُ اللهِ مِنْ تَفْصِيلِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ فَقَالَ: (فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " هَكَذَا أَنْزِلَتْ عَلَيَّ " فَشَكَّ حِينَئِذٍ وَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>