للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ يَصِلَ إِلَى الْغَايَةِ مِنْهُ، يُقَالُ: دَرَسَ الشَّيْءُ كَرَسْمِ الدَّارِ وَآثَارِهَا يَدْرُسُ (مِنْ بَابِ قَعَدَ) إِذَا عَفَا وَزَالَ بِفِعْلِ الرِّيحِ أَوْ تَتَابَعَ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ فَهُوَ دَارِسٌ، وَدَرَسَتْهُ الرِّيحُ أَوْ غَيْرُهَا، وَدَرَسَ اللَّابِسُ الثَّوْبَ دَرْسًا أَخْلَقَهُ وَأَبْلَاهُ فَهُوَ دَرِيسٌ، وَدَرَسُوا الطَّعَامَ أَيِ الْقَمْحَ دَاسُوهُ لِيَتَكَسَّرَ فَيُفَرَّقَ بَيْنَ حَبِّهِ وَتِبْنِهِ، وَدَرَسَ النَّاقَةَ دَرْسًا رَاضَهَا، وَدَرَسَ الْكِتَابَ وَالْعِلْمَ يَدْرُسُهُ دَرْسًا وَدِرَاسَةً

وَدَارَسَهُ مُدَارَسَةً - مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فِي اللِّسَانِ عَقِبَ نَقْلِهِ كَأَنَّهُ عَانَدَهُ حَتَّى انْقَادَ لِحِفْظِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَدَرَسْتُ الْكِتَابَ أَدْرُسُهُ أَيْ ذَلَّلْتُهُ بِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى خَفَّ حِفْظُهُ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، وَالدُّرْسَةُ بِالضَّمِّ الرِّيَاضَةُ فَفِي كُلِّ مَا ذُكِرَ مَعْنَى تَكْرَارِ الْعَمَلِ وَمُتَابَعَتِهِ حَتَّى بُلُوغِ الْغَايَةِ مِنْهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ (دَرَسْتَ) فِعْلًا مَاضِيًا لِلْمُخَاطَبِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو (دَارَسْتَ) لِلْمُشَارَكَةِ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ (دَرَسَتْ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَهَى مَرْوِيَّةٌ عَنْ أُبَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ. وَالتَّعْلِيلُ فِي قَوْلِهِ: (دَرَسْتَ) خَاصٌّ مَعْطُوفٌ عَلَى تَعْلِيلٍ عَامٍّ يُعْرَفُ مِنَ الْقَرِينَةِ.

وَالْمَعْنَى وَكَذَلِكَ نَصَرِّفُ الْآيَاتِ عَلَى أَنْوَاعٍ شَتَّى لِيَهْتَدِيَ بِهَا الْمُسْتَعِدُّونَ لِلْإِيمَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ، وَلِيَقُولَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ - الْجَاحِدُونَ الْمُعَانِدُونَ مِنْهُمْ وَالْمُقَلِّدُونَ - قَدْ دَرَسْتَ مِنْ قَبْلُ يَا مُحَمَّدُ وَتَعَلَّمْتَ، وَلَيْسَ هَذَا بِوَحَيٍ مُنَزَّلٍ كَمَا زَعَمْتَ وَقَدْ قَالُوا مِثْلَ هَذَا إِفْكًا وَزُورًا وَزَعَمُوا أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْ غُلَامٍ رُومِيٍّ كَانَ يَصْنَعُ السُّيُوفَ فِي مَكَّةَ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كَثِيرًا. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) ١٦: ١٠٣ أَوْ لِيَقُولُوا: دَارَسْتَ الْعُلَمَاءَ وَذَاكَرْتَهُمْ وَجِئْتَنَا بِمَا تَلَقَّيْتَهُ عَنْهُمْ، أَوْ دَرَسَتْ هَذِهِ الْعَقَائِدُ وَمُحِيَتْ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَسَاطِيرُ قَدِيمَةٌ قَدْ رَثَتْ وَخَلَقَتْ، وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ٢٥: ٤، ٥ وَأَظْهَرُ مِنْهُ فِي تَأْيِيدِ الْقِرَاءَةِ الْأَخِيرَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ هُودٍ فِي الشُّعَرَاءِ: (قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ٢٦: ١٣٦ - ١٣٨ وَحِكْمَةُ الْقِرَاءَاتِ الثَّلَاثِ حِكَايَةُ أَقْوَالِ ثَلَاثِ فِئَاتٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ مِنْ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الْعَجِيبِ فِي الْكَلِمِ وَالرَّسْمِ.

قِيلَ: إِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ " وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ " لِلْعَاقِبَةِ وَالصَّيْرُورَةِ، أَيْ لِيَكُونَ عَاقِبَةُ تَصْرِيفِ الْآيَاتِ أَنَّ يَقُولَ الرَّاسِخُونَ فِي الشِّرْكِ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ مُكَابَرَةً وَعِنَادًا وَجُحُودًا وَإِلْحَادًا. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا) ٢: ٢٦ وَنَقُولُ: لَيْسَ مَعْنَى يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا أَنَّ الْإِضْلَالَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الَّتِي

أُنْزِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>