للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ لِأَجْلِ الِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِهِ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الذَّبْحِ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لَهَا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللهِ. وَذَكَرَ الدَّوَّارِيُّ أَنَّ مَنْ ذَبَحَ لِلْجِنِّ وَقَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ تَعَالَى لِيَصْرِفَ عَنْهُ شَرَّهُمْ فَهُوَ حَلَالٌ، وَإِنْ قَصَدَ الذَّبْحَ لَهُمْ فَهُوَ حَرَامٌ. انْتَهَى.

وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ حِلُّ مَا ذُبِحَ لِإِكْرَامِ السُّلْطَانِ - بِالْأَوْلَى - وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ، لِمَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحِلُّ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَامَّةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ، وَعَدَمِ وُجُودِ نَاقِلٍ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَلَا مُخَصِّصٍ لِذَلِكَ الْعُمُومِ وَاللهُ أَعْلَمُ. " انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يُذْبَحُ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ مَا يُذْبَحُ لِغَيْرِهِ مِنَ الِاسْتِبْشَارِ وَنَحْوِهِ كَالذَّبْحِ لِلْعَقِيقَةِ وَالْوَلِيمَةِ وَالضِّيَافَةِ وَنَحْوِهَا، فَالْأَوَّلُ يَحْرُمُ وَالثَّانِي يَحِلُّ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي الزَّوَاجِرِ: وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا مِمَّا يُحَرِّمُ الذَّبِيحَةَ أَنْ يَقُولَ

بِاسْمِ اللهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَرِّ اسْمِ الثَّانِي - أَوْ مُحَمَّدٍ إِنْ عُرِفَ النَّحْوُ فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ أَنْ يَذْبَحَ كِتَابِيٌّ لِكَنِيسَةٍ أَوْ لِصَلِيبٍ أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى أَوْ مُسْلِمٌ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ تَقَرُّبًا لِسُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِلْجِنِّ فَهَذَا كُلُّهُ يُحَرِّمُ الْمَذْبُوحَ وَهُوَ كَبِيرَةٌ قَالَ: وَمَعْنَى مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ مَا ذُبِحَ لِلطَّوَاغِيتِ وَالْأَصْنَامِ قَالَهُ جَمْعٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَعْنِي مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللهِ. قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشَدُّ مُطَابَقَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: " لَوْ ذَبَحَ مُسْلِمٌ ذَبِيحَةً وَقَصَدَ بِذَبْحِهِ التَّقَرُّبَ بِهَا إِلَى غَيْرِ اللهِ تَعَالَى صَارَ مُرْتَدًّا وَذَبِيحَتُهُ ذَبِيحَةُ مُرْتَدٍّ ". انْتَهَى كَلَامُ الزَّوَاجِرِ، وَقَالَ صَاحِبُ الرَّوْضِ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا ذَبَحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ، انْتَهَى، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الدُّرِّ النَّضِيدِ: وَهَذَا الْقَائِلُ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الذَّبْحُ لِسَيِّدِ الرُّسُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرًا عِنْدَهُ فَكَيْفَ الذَّبْحُ لِسَائِرِ الْأَمْوَاتِ؟ انْتَهَى.

قَالَ الشَّيْخُ الْفَاضِلُ مُفْتِيَ الدِّيَارِ النَّجْدِيَّةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ فِي كِتَابِهِ " فَتْحِ الْمَجِيدِ شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ " فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي كِتَابِهِ (اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ) فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا ذَبِيحَةٌ لِكَذَا. وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودَ فَسَوَاءٌ لَفَظَ بِهِ أَوْ لَمْ يَلْفِظْ، وَتَحْرِيمُ هَذَا أَظْهَرُ مِنْ تَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِلَّحْمٍ وَقَالَ فِيهِ بِاسْمِ الْمَسِيحِ وَنَحْوِهِ، كَمَا أَنَّ مَا ذَبَحْنَاهُ مُتَقَرِّبِينَ بِهِ إِلَى اللهِ كَانَ أَزْكَى وَأَعْظَمَ مِمَّا ذَبَحْنَاهُ لِلَحْمٍ وَقُلْنَا عَلَيْهِ بِاسْمِ اللهِ، فَإِذَا حَرُمَ مَا قِيلَ فِيهِ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَوِ الزُّهَرَةِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ مَا قِيلَ فِيهِ لِأَجْلِ الْمَسِيحِ أَوِ الزُّهَرَةِ أَوْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لِغَيْرِ اللهِ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِ اللهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ مُتَقَرِّبًا إِلَيْهِ يَحْرُمُ، وَإِنْ قَالَ فِيهِ بِاسْمِ اللهِ كَمَا قَدْ يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُنَافِقِي هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ قَدْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى الْكَوَاكِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>