للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: يَا " مُعَاذُ "، قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَةً. ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ " قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: " يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ " قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: " هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ " رَوَاهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي بِضْعَةِ كُتُبٍ مِنَ الصَّحِيحِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابٍ الْإِيمَانِ. وَهَذِهِ النُّصُوصُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ حُجَّةٌ عَلَى الرَّازِيِّ وَمَنْ قَالَ بُقَوْلِهِ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ إِطْلَاقِ عَدَمِ سُؤَالِ الْعِبَادِ رَبَّهُمْ عَنْ شَيْءٍ، وَعَدَمِ ثُبُوتِ أَيِّ حَقٍّ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَحُجَّةٌ لِسَلَفِ الْأُمَّةِ الصَّالِحِ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ حَقًّا مِنْ إِثْبَاتِ كُلِّ مَا أَثْبَتَهُ اللهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

(٧) يُمْكِنُ رَدُّ نَظَرِيَّاتِ الشَّيْخِ الْأَشْعَرِيِّ وَنَظَرِيَّاتِ شَيْخِهِ الْجُبَّائِيِّ مَعًا مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ الَّذِي هُوَ الْأَخْذُ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ، وَأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحِكْمَةِ، وَمُعَلَّلَةٌ بِمَا يَرْجِعُ إِلَى دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، وَكَوْنِ الدُّنْيَا مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ، وَكَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ الشَّيْخُ الْمُقْبِلِيُّ نَقْلًا عَنْ كُتُبِهِمْ، فَنَذْكُرُ بَعْضَ مَا يَخْطُرُ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَالِ، لِيَكُونَ نَمُوذَجًا لِمَنْ يَبْنِي عَقِيدَتَهُ عَلَى قَوَاعِدِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَيَعْرِفُ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ لَا بِآرَاءِ الرِّجَالِ، فَنَقُولُ:

ذَكَرَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ لِلْجُبَّائِيِّ: (مَا قَوْلُكَ فِي ثَلَاثَةٍ: مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَصَبِيٍّ؟ فَقَالَ: الْمُؤْمِنُ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ، وَالْكَافِرُ مِنْ أَهْلِ الْهَلِكَاتِ، وَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ. فَقَالَ الشَّيْخُ: فَإِنْ أَرَادَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْقَى إِلَى أَهْلِ الدَّرَجَاتِ هَلْ يُمْكِنُ؟ قَالَ الْجُبَّائِيُّ: لَا، يُقَالُ لَهُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِنَّمَا نَالَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ بِالطَّاعَةِ وَلَيْسَ لَكَ مِثْلُهَا. قَالَ الشَّيْخُ: فَإِنْ قَالَ: التَّقْصِيرُ لَيْسَ مِنِّي فَلَوْ أَحْيَيْتَنِي كُنْتُ عَمِلْتُ مِنَ الطَّاعَاتِ كَعَمَلِ الْمُؤْمِنِ. قَالَ الْجُبَّائِيُّ: يَقُولُ لَهُ اللهُ: كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ لَوْ بَقِيتَ لَعَصَيْتَ وَلَعُوقِبْتَ، فَرَاعَيْتُ مَصْلَحَتَكَ وَأَمَتُّكَ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى سِنِّ التَّكْلِيفِ. قَالَ الشَّيْخُ: فَلَوْ قَالَ الْكَافِرُ يَارَبِّ عَلِمْتَ حَالَهُ كَمَا عَلِمْتَ حَالِي فَهَلَّا رَاعَيْتَ مَصْلَحَتِي مِثْلَهُ؟ فَانْقَطَعَ الْجُبَّائِيُّ) .

فَأَمَّا جَوَابُ الْجُبَّائِيِّ الْأَوَّلُ فِي الْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ وَالْكَافِرِ الْفَاسِقِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي بَيَّنَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ فِي جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٨: ٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>