كَمَا تَفْزَعُ النُّفُوسُ مِنْ حَوَادِثِ الْبَرَاكِينِ وَالصَّوَاعِقِ الَّتِي تَدُكُّ الصُّخُورَ وَتُدَمِّرُ الْحُصُونَ، وَقَدْ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْقُلُوبُ بَعْدَ مُشَاهَدَةِ الْآيَاتِ لَا تَتَأَثَّرُ بِهَا وَلَا تَزْدَادُ إِيمَانًا.
فَمُلَخَّصُ التَّشْبِيهِ: أَنَّ قُلُوبَكُمْ تُشْبِهُ الْحِجَارَةَ فِي الْقَسْوَةِ، بَلْ قَدْ تَزِيدُ فِي الْقَسَاوَةِ عَنْهَا، فَإِنَّ الْحِجَارَةَ الصُّمَّ تَتَأَثَّرُ فِي بَاطِنِهَا بِالْمَاءِ اللَّطِيفِ النَّافِعِ، بَعْضُهَا بِالْقَوِيِّ مِنْهُ وَبَعْضُهَا بِالضَّعِيفِ، وَلَكِنَّ قُلُوبَكُمْ لَا تَتَأَثَّرُ بِالْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا التَّأْثِيرُ فِي الْوِجْدَانِ وَالنُّفُوذُ إِلَى الْجَنَانِ، وَالْحِجَارَةُ تَتَأَثَّرُ بِالْحَوَادِثِ الْهَائِلَةِ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللهُ فِي الْكَوْنِ كَالصَّوَاعِقِ وَالزَّلَازِلِ، وَلَكِنَّ قُلُوبَكُمْ لَمْ تَتَأَثَّرْ بِتِلْكَ الْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ
الَّتِي تُشْبِهُهَا، فَلَا أَفَادَتْ فِيهَا الْمُؤَثِّرَاتُ الدَّاخِلِيَّةُ، وَلَا الْمُؤَثِّرَاتُ الْخَارِجِيَّةُ كَمَا أَفَادَتْ فِي الْأَحْجَارِ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ قُلُوبُكُمْ أَشَدُّ قَسْوَةً. ثُمَّ هَدَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أَيْ فَهُوَ سَيُرَبِّيكُمْ بِضُرُوبِ النِّقَمِ، إِذَا لَمْ تَتَرَبَّوْا بِصُنُوفِ النِّعَمِ.
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يَرَوْنَ أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْإِيمَانِ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ الْيَهُودُ؛ لِأَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ وَمُصَدِّقُونَ بِالْوَحْيِ وَالْبَعْثِ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَلِذَلِكَ كَانُوا يَطْمَعُونَ بِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَفْوَاجًا؛ لِأَنَّهُ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَمُجْلٍ لِجَمِيعِ شُبُهَاتِ الدِّينِ، وَحَالٌّ لِجَمِيعِ إِشْكَالَاتِهِ بِالتَّفْصِيلِ، وَوَاضِعٌ لَهُ عَلَى قَوَاعِدَ لَا تُرْهِقُ النَّاسَ عُسْرًا (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (٧: ١٥٧) .
كَانَ هَذَا الطَّمَعُ فِي إِيمَانِهِمْ مَبْنِيًّا عَلَى وَجْهٍ نَظَرِيٍّ مَعْقُولٍ، لَوْلَا أَنَّهُمُ اكْتَفَوْا بِجَعْلِ الدِّينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute