الرَّسُولِ رَسُولًا. وَذَكَرُوا أَنَّ مِنْهُ رُسُلَ أَصْحَابِ الْقَرْيَةِ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ " يس " (٣٦: ١٣ - ٢٠) وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ، وَرُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ سُئِلَ عَنِ الْجِنِّ هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللهِ: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) فَقَالُوا: بَلَى؟ وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ يَرُدُّونَ التَّأْوِيلَ السَّابِقَ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنَ اللَّفْظِ، وَلَوْ صَدَقَ فِي رُسُلِ الْجِنِّ لَصَدَقَ فِي رُسُلِ الْإِنْسِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الضَّحَّاكَ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (٣٥: ٢٤) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) (١٠: ٤٧) وَقَوْلُهُ: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي
كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (١٦: ٣٦) مَعَ ضَمِيمَةِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْأُمَّةِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَحْيَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) (٦: ٣٨) وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ قَالَ بِتَكْلِيفِ الْحَيَوَانَاتِ وَاسْتَدَلُّوا بِآيَةِ (٣٥: ٢٤) وَأَنَّ الشَّعْرَانِيَّ ذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَذْرُهَا مِنْهَا وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ غَيْرِهَا، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا) (٦: ٩) أَيْ بِنَاءً عَلَى اسْتِئْنَاسِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ وَفَهْمِهِ عَنْهُ، وَقَدْ يَرُدُّ هَذَا بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ الْجِنَّ يَفْهَمُونَ مِنْ رُسُلِ الْإِنْسِ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ قَطْعِيٌّ، وَالظَّوَاهِرُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْجُمْهُورُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً بِرُسُلِ الْإِنْسِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهُمْ، وَلَيْسَتْ أَقْوَى مِنْ ظَاهِرِ الْآيَاتِ الَّتِي اسْتُدِلَّ بِهَا عَلَى كَوْنِ الرُّسُلِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَالْجِنُّ عَالَمٌ غَيْبِيٌّ لَا نَعْرِفُ عَنْهُ إِلَّا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ - وَكَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ - عَلَى رِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، وَحَكَى تَعَالَى عَنِ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى) (٤٦: ٣٠) فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ. فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِمَا وَرَدَ وَنُفَوِّضُ الْأَمْرَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الرُّسُلَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) أَيْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي الَّتِي أَنْزَلْتُهَا عَلَيْكُمُ الْمُبَيِّنَةَ لِأُصُولِ الْإِيمَانِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحَسَنَاتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا صَلَاحُ الْأَحْوَالِ وَسَلَامَةُ الْمَآلِ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا بِإِعْلَامِكُمْ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى مَنْ كَفَرَ عَنْ جُحُودٍ أَوِ ارْتِيَابٍ.
(قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا) هَذَا مَا حَكَاهُ تَعَالَى مِنْ جَوَابِهِمْ عَنِ السُّؤَالِ عِنْدَمَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ بِالْكَلَامِ، وَثَمَّ مَوَاقِفُ أُخْرَى لَا يَنْطِقُونَ فِيهَا وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، وَمَوَاقِفُ يَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا يُنْكِرُونَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute