سَبَبِهِ، وَلَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُحَرِّمَ شَيْئًا بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُكَلَّفٌ شَرْعًا بِصِيَانَةِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، فَإِذَا أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ.
وَقَوْلُهُ: (إِذَا أَثْمَرَ) لِإِفَادَةِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ إِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَقْتَ إِطْلَاعِ الشَّجَرِ الثَّمَرَ وَالزَّرْعِ الْحَبَّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا إِذَا أَدْرَكَ وَأَيْنَعَ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى (انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) فَالْكَرْمُ يُنْتَفَعُ بِثَمَرِهِ حِصْرِمًا فَعِنَبًا فَزَبِيبًا، وَالنَّخْلُ يُؤْكَلُ ثَمَرُهُ بُسْرًا فَرُطَبًا فَتَمْرًا، وَالْقَمْحُ يُؤْكَلُ حَبُّهُ فَرِيكًا قَبْلَ يُبْسِهِ، وَأَكْلُهُ بُرًّا مَطْبُوخًا أَوْ طَحْنُهُ وَجَعْلُهُ خُبْزًا. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ إِبَاحَةُ الْأَكْلِ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ حَقِّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ:
(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) أَيْ وَأَعْطُوا الْحَقَّ الْمَعْلُومَ مِنَ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ لِمُسْتَحِقِّيهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ زَمَنَ حَصَادِهِ فِي جُمْلَتِهِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ، لَا كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُ وَلَا بَعْدَ تَنْقِيَتِهِ وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْحَصَادِ الْخَاصِّ بِالزَّرْعِ فِي الْأَصْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَنْيُ الْعِنَبِ وَصَرْمُ النَّخْلِ، كَتَغْلِيبِ الثَّمَرِ فِيمَا قَبْلَهُ لِإِدْخَالِ حَبِّ الْحَصِيدِ فِيهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ خَاصٌّ بِالشَّجَرِ، وَهَذِهِ مُقَابَلَةٌ تُشْبِهُ الِاحْتِبَاكَ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تُعَدَّ نَوْعًا خَاصًّا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ.
أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالنَّحَّاسُ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) قَالَ: " مَا سَقَطَ مِنَ السُّنْبُلِ " وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِيهِ: إِذَا حَصَدْتَ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنَ السُّنْبُلِ، فَإِذَا طَيَّبْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ، فَإِذَا دُسْتَهُ وَذَرَّيْتَهُ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ فَإِذَا ذَرَّيْتَهُ وَجَمَعْتَهُ وَعَرَفْتَ كَيْلَهُ فَاعْزِلْ زَكَاتَهُ. وَإِذَا بَلَغَ النَّخْلُ وَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنَ التَّفَارِيقِ وَالْبُسْرِ، فَإِذَا جَدَدْتَهُ (أَيْ قَطَعْتَهُ) فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ فَإِذَا جَمَعْتَهُ وَعَرَفْتَ كَيْلَهُ فَاعْزِلْ زَكَاتَهُ. وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ: أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا إِذَا صَرَمُوا النَّخْلَ يَجِيئُونَ بِالْعَذْقِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجِيءُ السَّائِلُ فَيَضْرِبُهُ بِالْعَصَا فَيُسْقِطُ مِنْهُ فَهُوَ قَوْلُهُ: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، الرَّجُلُ يُعْطِي مِنْ زَرْعِهِ وَيَعْلِفُ الدَّابَّةَ وَيُعْطِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَيُعْطِي الضِّغْثَ. يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَالزَّكَاةَ الْمَحْدُودَةَ فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute