للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اجْتِنَابُهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ ضَارٍّ بِالْبَدَنِ أَوِ الْعَقْلِ - وَهُمُ الْحُكَمَاءُ - فَأَصَابُوا فِي بَعْضِ مَا هَدَتْهُمْ إِلَيْهِ عُقُولُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ، وَأَخْطَئُوا فِي بَعْضٍ، فَكَانُوا خَيْرَ النَّاسِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلنَّاسِ فِي فَتَرَاتِ الرُّسُلِ الَّتِي فُقِدَتْ فِيهَا هِدَايَةُ الْوَحْيِ. وَهُمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (٣: ٢١) فَالَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ وَالِاعْتِدَالُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْآرَاءِ وَالْأَعْمَالِ وَبِشُكْرِ الْمُنْعِمِ هُمْ حُكَمَاءُ الْبَشَرِ وَعُقَلَاؤُهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ قُصَيٌّ لِلْعَرَبِ سُنَنًا حَسَنَةً لِسِقَايَةِ الْحَاجِّ وَرِفَادَتِهِمْ وَإِطْعَامِهِمْ وَلِلشُّورَى فِي الْخُطُوبِ، وَمِنْ أَعْمَالِ قُرَيْشٍ

الْحَسَنَةِ حِلْفُ الْفُضُولِ لِمَنْعِ الظُّلْمِ وَقَدْ مَدَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْقِسْطِ بِسَائِقِ الْعَقْلِ وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَمِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْخَمْرَ لِمَفَاسِدِهَا. وَيَدُلُّ هَذَا الْقَيْدُ عَلَى تَعْظِيمِ الْإِسْلَامِ لِشَأْنِ الْعِلْمِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ لَهُمُ السَّوَائِبَ وَبَحَّرَ الْبَحَائِرَ وَغَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فَاتَّبَعُوهُ، وَسَنَعْقِدُ لِهَذَا فَصْلًا خَاصًّا وَفَاءً بِمَا وَعَدْنَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْمَائِدَةِ.

(إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ. لَا مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ. فَإِنَّهُمْ مَا دَامُوا مُتَّصِفِينَ بِالظُّلْمِ مُتَعَاوِنِينَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَصُدُّهُمْ عَنِ اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ، فِيمَا يَهْدِيهِمْ إِلَى صَوَابِهِمْ، وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ الظَّالِمِينَ مَهْمَا تَكُنْ دَرَجَةُ ظُلْمِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ أَظْلَمُ النَّاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُمُ الَّذِينَ وَصَفْتِ الْآيَةُ ظُلْمَهُمْ بِالِافْتِرَاءِ عَلَى اللهِ لِإِضْلَالِ عِبَادِهِ! .

(فَصْلٌ فِي تَارِيخِ وَثَنِيَّةِ الْعَرَبِ الْإِسْمَاعِيلِيِّينَ وَمَا تَبِعَهَا مِنْ هَذِهِ الضَّلَالَةِ) رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ - زَادَ مُسْلِمٌ - وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَغَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ " وَرَوَى نَحْوَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ قِصَّةِ خُزَاعَةَ مِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَبْلَ حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ أَبُو خُزَاعَةَ " قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَتْحِ: وَأَوْرَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَتَمَّ مِنْهُ. وَلَفْظُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ: " رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانِ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ " ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ سَبَبَ عِبَادَةِ لُحَيٍّ لِلْأَصْنَامِ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَاسْتَوْهَبَهُمْ وَاحِدًا مِنْهَا وَجَاءَ إِلَى مَكَّةَ فَنَصَبَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ (وَهُوَ هُبَلُ) وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ فَجَرَ رَجُلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>