للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ فِي سَبَبِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصُّرَدِ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَشَاءَمُ بِهِ فَنُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ لِيَزُولَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنِ اعْتِقَادِ التَّشَاؤُمِ.

وَأَقُولُ: إِنَّ الْهُدْهُدَ - وَهُوَ مَعْرُوفٌ - يَأْكُلُ الْحَشَرَاتِ الضَّارَّةَ بِالزَّرْعِ وَالشَّجَرِ

فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ سَبَبُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ، كَمَا تَنْهَى الْحُكُومَةُ الْمِصْرِيَّةُ عَنْ قَتْلِهِ وَصَيْدِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَحَدِيثُ حَظْرِ قَتْلِ الضُّفْدَعِ لِجَعْلِهِ دَوَاءً مَعَارِضٌ بِالْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الْقَطْعِيَّةِ فِي إِبَاحَةِ الْمَنَافِعِ وَبِمَفْهُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي قَتْلِ الْعُصْفُورِ عَبَثًا وَهُوَ أَصَحُّ مِنْهُ.

وَجَعْلُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْحَيَوَانِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ وَاسْتِخْبَاثِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ دَلَائِلَ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ قَالَ الْمَهْدِيُّ (مِنْ أَئِمَّةِ الزَّيْدِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْبَحْرِ) : أُصُولُ التَّحْرِيمِ إِمَّا بِنَصِّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْأَمْرِ بِقَتْلِهِ كَالْخَمْسَةِ (أَيِ الْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ الَّتِي وَرَدَ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ) أَوِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ كَالْهُدْهُدِ وَالْخُطَّافِ وَالنَّحْلَةِ وَالنَّمْلَةِ وَالصُّرَدِ - أَوِ اسْتِخْبَاثِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالضُّفْدَعِ. . . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) (٧: ١٥٧) وَهِيَ مُسْتَخْبَثَةٌ عِنْدَهُمْ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَكَانَ اسْتِخْبَاثُهُمْ طَرِيقَ تَحْرِيمٍ فَإِنِ اسْتَخْبَثَهُ الْبَعْضُ اعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ وَالْعِبْرَةُ بِاسْتِطَابَةِ أَهْلِ السَّعَةِ لَا ذَوِي الْفَاقَةِ اهـ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ: وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ إِنِ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ وَطِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنَ الْعَرَبِ فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ وَإِنِ اسْتَخْبِثُوهُ فَلَا. . . . وَاشْتَرَطَ شُرَّاحُهُ أَنْ يَكُونُوا حَضَرًا لَا بَدْوًا.

وَنَقُولُ: أَمَّا الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ فَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ. وَأَمَّا اسْتِخْبَاثُ الْعَرَبِ إِيَّاهُ فَقَدْ رَدَّهُ الْمُخَالِفُونَ لَهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مَا مُلَخَّصُهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْتَبِرِ اسْتِخْبَاثَ الْعَرَبِ فِي تَحْرِيمِ ذِي النَّابِ مِنَ السِّبَاعِ وَالْمِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ بَلْ كَوْنُهَا كَذَلِكَ، وَإِنَّ الْخِطَابَ بِتَحْرِيمِ الْخَبَائِثِ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْعَرَبِ، فَاعْتِبَارُ مَا تَسْتَقْذِرُهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ إِنِ اعْتُبِرَ اسْتِقْذَارُ جَمِيعِ الْعَرَبِ فَجَمِيعُهُمْ لَمْ يَسْتَقْذِرُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَالْأَسَدَ وَالذِّئْبَ وَالْفَأْرَ، بَلِ الْأَعْرَابُ يَسْتَطِيبُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَإِنِ اعْتُبِرَ بَعْضُهُمْ فَفِيهِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْخِطَابَ لِجَمِيعِهِمْ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ بَعْضُهُمْ. (وَثَانِيهِمَا) لِمَ كَانَ الْبَعْضُ الْمُسْتَقْذِرُ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ الْبَعْضِ الْمُسْتَطِيبِ؟

وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَقْرِيرِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْحَصْرَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْحُكْمُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مَا نَصُّهُ: وَمِنَ السُّؤَالَاتِ الضَّعِيفَةِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>