للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُقَاوَمَةِ الْمُسْتَعْمِرِينَ، وَجَعْلِ شُعُوبِ الشَّرْقِ وَلَا سِيَّمَا الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْهَا حُرَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَقَدْ قَوِيَتْ آمَالُ هَذِهِ الشُّعُوبِ فِي الِاسْتِقْلَالِ، وَطَفِقُوا يَعْقِدُونَ الْمُعَاهَدَاتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حُكُومَةِ مُصْطَفَى كَمَال، وَلَمْ يَشِذَّ عَنْ هَذِهِ الْوَحْدَةِ الشَّرْقِيَّةِ، غَيْرُ شَعْبٍ مِنَ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَانَ أَوْلَاهَا بِطَلَبِ الْوَحْدَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى جَمْعِ الْكَلِمَةِ، وَلَكِنْ خَدَعَهُ زُعَمَاؤُهُ. وَأَضَلَّهُ سَادَتُهُ وَكُبَرَاؤُهُ. عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا الضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ. وَشَرُّهُمْ مَنْ غَشَّ قَوْمَهُ وَصَرَفَهُمْ عَنْ حَقِيقَةِ مَعْنَى الِاسْتِقْلَالِ. بِتَسْمِيَةِ الْأَشْيَاءِ بِأَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ. كَإِطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَاعَدَةِ وَالِانْتِدَابِ عَلَى الِاسْتِعْمَارِ الْمُرَادِفِ لِلِاسْتِعْبَادِ. وَزَعْمِ أَنَّ السُّلْطَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ ضَرْبَةُ لَازِبٍ، وَأَنَّ مُنَاصَبَتَهَا ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ، وَوَلَاءَهَا هُوَ الْوَاجِبُ وَسَيَعْلَمُ الْمَفْتُونُونَ بِغِشِّهِمْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَقْوَمُ قِيلًا، وَأَحْسَنُ عَاقِبَةً وَمَصِيرًا، وَيَقُولُونَ: (رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) (٣٣: ٦٧، ٦٨) .

وَمِنْ آيَاتِ اللهِ وَحُجَجِهِ عَلَى الْيَائِسِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ أَنَّهُ تَعَالَى جَدُّهُ أَلْقَى الْفَشَلَ السِّيَاسِيَّ بَيْنَ الدُّوَلِ الْمُحْتَلَّةِ لِبِلَادِ الْأَنَاضُولِ وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَالرُّومَلِلِّي فَسَالَمَ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا الطَّلْيَانُ، ثُمَّ صَالَحَ الْكَمَالِيَّيْنِ فِيهَا الْفِرِنْسِيسُ، وَخَذَلَ اللهُ تَعَالَى الْيُونَانَ الْمُجَاهِرَةَ بِالْعَدَاوَةِ وَالْمُنْفَرِدَةَ بِالْحَرْبِ، اعْتِمَادًا عَلَى مُسَاعَدَةِ الدَّوْلَةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَتَحَوَّلْ عَنْ سِيَاسَتِهَا الْقَدِيمَةِ فِي ضَرْبِ الْأُمَمِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَخُلِقَ لِهَذِهِ

الدَّوْلَةِ مِنَ الْمَشَاكِلِ السِّيَاسِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تَشْتَهِي مِنَ الْإِجْهَازِ عَلَى سُلْطَانِ الْإِسْلَامِ، وَالْجَرْيِ عَلَى قَاعِدَةِ مَا أَخَذَ الصَّلِيبُ مِنَ الْهِلَالِ لَا يَعُودُ إِلَى الْهِلَالِ حَتَّى عَجَزَتْ - عَلَى دَهَائِهَا وَحَزْمِهَا وَعُلُوِّ نُفُوذِهَا السِّيَاسِيِّ وَالْمَالِيِّ وَالْحَرْبِيِّ فِي أُورُبَّةَ كُلِّهَا - عَنْ حَلِّ أَيَّةِ مُشْكِلَةٍ مِنْهَا:

وَلَوْ كَانَ رُمْحًا وَاحِدًا لَاتَّقَيْتُهُ وَلَكِنَّهُ رُمْحٌ وَثَانٍ وَثَالِثٌ

فَأَرَتْنَا قُدْرَةُ اللهِ تَعَالَى فِيهَا مُنْتَهَى الْعَجْزِ عَنْ بُلُوغِ مُنْتَهَى الْقُدْرَةِ وَالْأَيْدِ، فَقَدْ ثَارَتْ عَلَيْهَا أَرْلَنْدَةُ وَمِصْرُ وَفِلَسْطِينُ وَالْعِرَاقُ وَالْهِنْدُ ثَوْرَاتٍ مُخْتَلِفَةَ الْمَظَاهِرِ مُتَّفِقَةَ الْمَقَاصِدِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَضْعَفُهَا فِي الظَّاهِرِ أَقْوَاهَا فِي الْبَاطِنِ كَثَوْرَةِ الْهِنْدِ السَّلْبِيَّةِ بِالْمُقَاطَعَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، فَقَدْ دَعَا الزَّعِيمُ الْهِنْدِيُّ الْأَكْبَرُ (غَانْدِهِي) قَوْمَهُ إِلَى عِقَابِ حُكُومَتِهِمُ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ الْمُسْتَعْمِرَةِ عَلَى اسْتِبْدَادِهَا بِأُمُورِهِمْ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهَا بِوُجْدَانِهِمْ وَشُعُورِهِمْ بِمُقَاطَعَةِ تِجَارَتِهَا وَتَرْكِ لُبْسِ مَنْسُوجَاتِهَا، فَرَدَّدَ صَدَى دَعْوَتِهِ جَمِيعُ الزُّعَمَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْهِنْدُوسِ عَلَى سَوَاءٍ، وَطَفِقُوا يَحْرِقُونَ مَا عَلَى أَبْدَانِهِمْ مِنْ هَذَا اللِّبَاسِ بَعْدَ نَزْعِهِ فِي الْمُحَافِلِ الْعَامَّةِ وَلَا سِيَّمَا عَقِبَ الْخُطَبِ الَّتِي تُلْقَى فِيهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>