للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ

عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرَ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَجَلِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ " مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ. . . وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ. . . " وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُضِلِّينَ مِنَ النَّاسِ: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١٦: ٢٥) وَقَوْلِهِ فِيهِمْ: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) (٢٩: ١٣) .

وَلَكِنْ أُشْكِلَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي أَحَدِ طُرُقِهِ وَلَيْسَ فِي سَائِرِهَا، ذِكْرُ " بِبَعْضِ " وَالْمُرَادُ مِنَ النِّيَاحَةِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ، وَوَرَدَ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْبُكَاءِ الْمُجَرَّدِ، وَقَدْ أَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ إِذَا أَوْصَى أَهْلَهُ بِهِ وَكَانَ مِمَّنْ يَرْضَى بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِنُوَاحِ الْحَيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَشْعُرَ بِبُكَائِهِ فَيُؤْلِمَهُ ذَلِكَ، لَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَذِّبُهُ بِهِ وَيُؤَاخِذُهُ عَلَيْهِ وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: تُوُفِّيَتْ أُمُّ عَمْرِو بِنْتِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَحَضَرَتُ الْجِنَازَةَ فَسَمِعَ ابْنُ عُمَرَ بُكَاءً فَقَالَ: أَلَا تَنْهَى هَؤُلَاءِ عَنِ الْبُكَاءِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ " فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ: وَاللهِ إِنَّكَ لَتُخْبِرُنِي عَنْ غَيْرِ كَاذِبٍ وَلَا مُتَّهَمٍ وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ، وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَكْفِيكُمْ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) اهـ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ كُلَّ مَا يُرْوَى لَهَا مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ وَتَحْمِلُ رِوَايَةَ الصَّادِقِ عَلَى خَطَأِ السَّمْعِ أَوْ سُوءِ الْفَهْمِ - وَلَكِنَّ الْعُلَمَاءَ قَصَّرُوا فِي إِعْلَالِ الْأَحَادِيثِ بِمِثْلِ هَذَا مَعَ أَنَّ مُخَالَفَةَ الرِّوَايَةِ الْآحَادِيَّةِ لِلْقَطْعِيِّ كَالْقُرْآنِ مِنْ عَلَامَةِ وَضْعِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ.

وَمِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرْءُ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ يُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لَهُ: دُعَاءُ أَوْلَادِهِ لَهُ، أَوْ حَجُّهُمْ وَتَصَدُّقُهُمْ عَنْهُ، وَقَضَاؤُهُمْ لِصَوْمِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي حَدِيثِ " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ أَلْحَقَ اللهُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ. وَمَنْ قَالَ بِانْتِفَاعِ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَامِلُ وَلَدَهُ فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلَا الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ. أَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ صَحَّ فِيهِ الْإِذْنُ

بِالصَّدَقَةِ عَنِ الْوَالِدَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ، وَبِالصِّيَامِ وَالْحَجِّ الْمُنْذَرَيْنِ مِنْهُمَا أَوِ الْمَفْرُوضَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَقَدْ شَبَّهَ صَلَّى الله عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>