للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالثَّوَابِ، وَمَنْ جَهِلَ مِصْدَاقَ ذَلِكَ فِي تَوَارِيخِ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ لِعَدَمِ ضَبْطِهَا، فَأَمَامَهُ تَارِيخُ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْمُنْتَمِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْعَصْرِ يَجْهَلُونَ تَارِيخَهُمْ كَمَا يَجْهَلُونَ حَقِيقَةَ دِينِهِمْ، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنْ حَمَلَةِ الْعَمَائِمِ الدِّينِيَّةِ مِنْهُمْ يَجْهَلُونَ حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَاتُ بِالْإِجْمَالِ بَعَدَ شَرْحِ السُّورَةِ لَهُ بِالتَّفْصِيلِ، وَرُبَّمَا يُعِدُّ بَعْضُهُمُ الدَّاعِيَ إِلَيْهِ كَافِرًا أَوْ مُبْتَدِعًا، وَيَعْتَمِدُونَ فِي هَذَا عَلَى قُوَّةِ أَنْصَارِهِمْ مِنَ الْعَوَامِّ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ. وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ عِقَابِ اللهِ لَهُمْ، وَعَنْ كَوْنِهِمْ صَارُوا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَحُجَّةً عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَعْدَاؤُهُ يَحْتَجُّونَ بِجَهْلِهِمْ وَسُوءِ حَالِهِمْ عَلَى فَسَادِ دِينِهِمُ الْمُسَمَّى - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ - الْإِسْلَامَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ بَلْ ضِدَّهُ، وَأَوْلِيَاؤُهُ الْجَاهِلُونَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْهُ فُرَادَى وَثُبَاتٍ - كَالتَّلَامِيذِ - بِمَا يَظْهَرُ لِلَّذِينِ يَقْتَبِسُونَ عُلُومَ سُنَنِ الْكَائِنَاتِ وَعِلْمَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لَهَا، وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ لَهَا بِدَعُهُمْ وَتَقَالِيدُهُمُ الْخُرَافِيَّةُ. وَأَمَّا دِينُ اللهِ فِي كِتَابِهِ الْقُرْآنِ فَهُوَ الْمُرْشِدُ الْأَعْظَمُ لَهَا وَلَوْ فَهِمُوهُ وَعَمِلُوا بِهِ لَكَانُوا أَسْبَقَ إِلَيْهَا.

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَهْلَ مَرَاكِشَ: أَنْشَأْنَا مُنْذُ أَنْشَأْنَا الْمَنَارَ نُذَكِّرُهُمْ بِآيَاتِ اللهِ

وَسُنَنِهِ وَأَنْذَرْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالزَّوَالِ بِفَقْدِ الِاسْتِقْلَالِ إِذَا لَمْ يُوَجِّهُوا كُلَّ هِمَّتِهِمْ إِلَى مَا تَقْتَضِيهِ حَالَةُ الْعَصْرِ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ الْعَسْكَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَرْشَدْنَاهُمْ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ عَلَى ذَلِكَ بِالدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ فَكَانَ يَبْلُغُنَا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ حُلُولِ النَّوَائِبِ بِهِمْ وَتَعْدِي الْأَجَانِبِ عَلَيْهِمْ عِنْدَ قَبْرِ (مَوْلَايَ إِدْرِيسَ) فِي فَاسَ رَاجِينَ أَنْ يَكْشِفَ بِاسْتِنْجَادِهِمْ إِيَّاهُ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْبَأْسِ أَنْذَرْنَاهُمْ بَطْشَةَ اللهِ بِتَرْكِ هَدْيِ كِتَابِهِ وَتَنَكُّبِّ سُنَنِهِ فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ وَاتَّكَلُوا عَلَى مَيِّتٍ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ وَلَا لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ نَفْعٍ وَلَا ضَرَرٍ، وَكَمْ سَبَقَ هَذِهِ الْعِبْرَةَ مِنْ عِبَرٍ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) .

نَزَلَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ نَاطِقَةٌ بِأَنَّ نِعَمَ اللهِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ مِمَّا يَفْتِنُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ - أَيْ يُرَبِّيهِمْ وَيَخْتَبِرُهُمْ - لِيُظْهِرَ أَيُّهَمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فِي الدَّارَيْنِ. قَالَ تَعَالَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٧: ١٦٨) وَقَالَ فِي خِطَابِ كُلِّ الْبَشَرِ: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (٢١: ٣٥) وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (١١: ٧، ٦٧: ٢) وَقَالَ: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (١٨: ٧) وَقَالَ فِي ابْتِلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْكَافِرِينَ: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) (٢٥: ٢٠) وَقَالَ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٣: ١٨٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>