حُجَّةَ الْمُثْبِتِينَ الْوَحِيدَةَ عَلَى انْتِفَاعِ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِأَيِّ عَمَلٍ يُهْدَى إِلَيْهِمْ ثَوَابُهُ مِنْ عَمَلِ أَحْيَائِهِمْ قَدْ وَرَدَتْ فِي أَعْمَالٍ خَاصَّةٍ وَرُخِّصَ لِلْأَوْلَادِ وَحْدَهُمْ أَنْ يَقُومُوا بِهَا عَنْ وَالِدَيْهِمْ وَهُوَ لَمْ يَنْسَ مِنْ حُجَجِ الْمَانِعِينَ لِوُصُولِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهَا عَدَمَ نَقْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنِ السَّلَفِ وَلَكِنَّهُ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَنْصَارِ أَتْبَاعِ السَّلَفِ قَدْ أَجَابَ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ بِجَوَابٍ ضَعِيفٍ جِدًّا فَقَالَ: " فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي السَّلَفِ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَلَا أَرْشَدَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ، وَقَدْ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ. فَلَوْ كَانَ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ يَصِلُ لِأَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ وَلَكَانُوا يَفْعَلُونَهُ ".
" فَالْجَوَابُ أَنَّ مُورِدَ هَذَا السُّؤَالِ إِنْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِوُصُولِ ثَوَابِ الْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، قِيلَ لَهُ: مَا هَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ الَّتِي مَنَعَتْ وَصُولَ ثَوَابِ الْقُرْآنِ وَاقْتَضَتْ وَصُولَ ثَوَابِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ؟ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِوُصُولِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ إِلَى الْمَيِّتِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَوَاعِدِ الشَّرْعِ ".
" وَأَمَّا السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ فِي السَّلَفِ، فَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَوْقَافٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي إِلَى الْمَوْتَى، وَلَا كَانُوا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، وَلَا كَانُوا يَقْصِدُونَ الْقَبْرَ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، وَلَا كَانَ أَحَدُهُمْ يُشْهِدُ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ النَّاسِ عَلَى أَنَّ ثَوَابَ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ لِفُلَانٍ الْمَيِّتِ وَلَا ثَوَابَ
هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ، ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْقَائِلِ: لَوْ كُلِّفْتَ أَنْ تَنْقُلَ عَنْ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ اللهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ هَذَا الصَّوْمِ لِفُلَانٍ - لَعَجَزْتَ فَإِنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى كِتْمَانِ أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَلَمْ يَكُونُوا لِيُشْهِدُوا عَلَى اللهِ بِإِيصَالِ ثَوَابِهَا إِلَى أَمْوَاتِهِمْ ".
" فَإِنْ قِيلَ: فَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ دُونَ الْقِرَاءَةِ قِيلَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْتَدِئْهُمْ بِذَلِكَ بَلْ خَرَجَ ذَلِكَ مِنْهُ مَخْرَجَ الْجَوَابِ لَهُمْ، فَهَذَا سَأَلَهُ عَنِ الْحَجِّ عَنْ مَيِّتِهِ فَأَذِنَ لَهُ، وَهَذَا سَأَلَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ فَأَذِنَ لَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ الصِّيَامِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ وَإِمْسَاكٍ وَبَيْنَ وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ؟ وَالْقَائِلُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ السَّلَفِ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ قَائِلٌ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ; فَإِنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ، فَمَا يُدْرِيهِ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَا يُشْهِدُونَ مَنْ حَضَرَهُمْ عَلَيْهِ؟ بَلْ يَكْفِي اطِّلَاعُ عَلَّامِ الْغُيُوبِ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَمَقَاصِدِهِمْ لَا سِيَّمَا وَالتَّلَفُّظُ بِنِيَّةِ الْإِهْدَاءِ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا تَقَدَّمَ ".
" وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الثَّوَابَ مِلْكٌ لِلْعَامِلِ، فَإِذَا تَبَرَّعَ بِهِ وَأَهْدَاهُ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْصَلَهُ اللهُ إِلَيْهِ، فَمَا الَّذِي خَصَّ مِنْ هَذَا ثَوَابَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَحَجَرَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُوصِلَهُ إِلَى أَخِيهِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute