للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَانْظُرْ أَيْنَ مَكَانُكَ مِنْهَا، فَإِنْ رَأَيْتَ وَلَوْ بِعَيْنِ الْعُجْبِ وَالْغُرُورِ أَنَّكَ بَلَغْتَ مُدَّ أَحَدِهِمْ أَوَنَصِيفَهُ مِنَ الْكَمَالِ فِيهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُعْذَرُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ إِلَّا جَهُولٌ مَفْتُونٌ، أَوْ مَنْ بِهِ مَسٌّ مِنَ الْجُنُونِ، وَإِنَّ أَكْثَرَ الْمُتَعَبِّدِينَ بِالْبِدَعِ، مُقَصِّرُونَ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ أَوْ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى السُّنَنِ، وَمِنْهُمُ الْمُصِرُّونَ عَلَى الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، كَإِصْرَارِهِمْ عَلَى مَا الْتَزَمُوا فِي الْمَقَابِرِ مِنَ الْعَادَاتِ، كَاتِّخَاذِهَا أَعْيَادًا تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَالُ، وَيَجْتَمِعُ لَدَيْهَا النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ وَالْأَطْفَالُ، وَلَا سِيَّمَا فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ وَأَوَّلِ جُمْعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَتُذْبَحُ عِنْدَهَا الذَّبَائِحُ، وَتُطْبَخُ أَنْوَاعُ الْمَآكِلِ، فَيَأْكُلُونَ ثُمَّ يَشْرَبُونَ، وَيَبُولُونَ وَيَغُوطُونَ، وَيَلْغُونَ وَيَصْخَبُونَ وَيَقْرَأُ لَهُمُ الْقُرْآنَ، مَنْ يَسْتَأْجِرُونَ

لِذَلِكَ مِنَ الْعُمْيَانِ، وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ، وَإِذَا كَانَ مَا يَأْتُونَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ هُنَالِكَ مِنَ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ، وَكَانَ بَعْضُ الْمُبَاحَاتِ يُعَدُّ هُنَالِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ أَوِ الْمُحَرَّمَةِ، فَمَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ أَفْعَالِهِمُ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ؟ .

وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي حَظْرِ هَذِهِ الِاجْتِمَاعَاتِ فِي الْمَقَابِرِ إِلَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ (لَعَنَ اللهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ) لَكَفَى وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَدْ صَارَ مِنْ قَبِيلِ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَآيَاتِ الْيَقِينِ تُوقَفُ لَهَا الْأَوْقَافُ الَّتِي يُسَجِّلُهَا وَيَحْكُمُ بِصِحَّتِهَا قُضَاةُ الشَّرْعِ الْجَاهِلُونَ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا أَدْعِيَاءُ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ، وَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ يَتْرُكُونَ بَعْضَ السُّنَنِ أَحْيَانًا حَتَّى لَا يَظُنَّ الْعَوَامُّ أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ بِالْتِزَامِهَا تَأَسِّيًا بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى بَعْضِ الْفَضَائِلِ خَشْيَةَ أَنْ تَصِيرَ مِنَ الْفَرَائِضِ، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ قَصَّرُوا فِي الْفَرَائِضِ، وَتَرَكُوا السُّنَنَ وَالشَّعَائِرَ، وَوَاظَبُوا عَلَى هَذِهِ الْبِدَعِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَتْرُكُونِ لِأَجْلِهَا الْأَعْيَادَ وَالْجُمَعَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

خُلَاصَةُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ

لَوْ سُمِّيَتْ سُوَرُ الْقُرْآنِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى جُلِّ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ كُلُّ سُورَةٍ أَوْ عَلَى أَهَمِّهِ لَسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ سُورَةَ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ، أَوْ سُورَةَ التَّوْحِيدِ، عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْ عِلْمِ الْعَقَائِدِ بِالتَّوْحِيدِ لِأَنَّهُ أَسَاسُهَا وَأَعْظَمُ أَرْكَانِهَا، فَهِيَ مُفَصِّلَةٌ لِعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ مَعَ دَلَائِلِهَا، وَمَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ، وَلِرَدِّ شُبَهَاتِ الْكُفَّارِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ هَدْمِ هَيَاكِلِ الشِّرْكِ وَتَقْوِيضِ أَرْكَانِهِ، وَلِإِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ وَتَفْنِيدِ شُبُهَاتِهِمْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلْزَامِهِمُ الْحُجَّةَ بِآيَةِ اللهِ الْكُبْرَى وَهِيَ الْقُرْآنُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ مِنْ عَقْلِيَّةٍ وَعِلْمِيَّةٍ، وَمُبَيِّنَةٍ لِوَظَائِفِ الرَّسُولِ وَدَعْوَتِهِ وَهَدْيِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>