وَالْأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ فَهُنَاكَ نَسْتَوْفِي بَيَانَ هَذِهِ الْأَسَالِيبِ فِي إِثْبَاتِ الْعَقَائِدِ بِالشَّوَاهِدِ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ.
وَلَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِ شَيْءٍ مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى أُسْلُوبِ إِنْذَارِ الْعَاقِبَةِ وَسُوءِ الْمَصِيرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّهَا جَلِيَّةٌ وَاضِحَةُ الْأَسَالِيبِ فِي عَقِيدَةِ الْوَحْيِ وَالرُّسُلِ.
الْأَسَالِيبُ فِي عَقِيدَةِ الْوَحْيِ وَالرُّسُلِ
وَأَمَّا مَسَائِلُ الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ الْوَحْيُ وَالرُّسُلُ، فَنَسْتَغْنِي عَنِ التَّذْكِيرِ بِأَسَالِيبِ الْإِثْبَاتِ وَطُرُقِ الْإِقْنَاعِ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا فِي عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ وَآيَاتِهِ وَصِفَاتِ اللهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ بُطْلَانِ الشِّرْكِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ أَجْمَعِينَ. عَلَى أَنَّ بَعْضَ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى مُكَابَرَةِ الْمُعَانِدِينَ لِلْآيَاتِ وَالْحُجَجِ، تَشْتَرِكُ فِيهِ حُجَجُ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ مَعَ حُجَجِ التَّوْحِيدِ وَسَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِهِ هُنَا. وَإِنَّمَا الْمُهِمُّ تَذْكِيرُ الْقَارِئِ ابْتِغَاءَ الِاهْتِدَاءِ فِي نَفْسِهِ وَالْهِدَايَةِ لِغَيْرِهِ بِالْآيَاتِ الَّتِي تُعَرِّفُهُ مَوْضُوعَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَصِفَاتِ الرُّسُلِ وَوَظَائِفَهُمْ، وَمَا أُيِّدُوا بِهِ مِنَ الْآيَاتِ لِإِثْبَاتِ دَعْوَتِهِمْ، وَشُبُهَاتِ الْكُفَّارِ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَانَ بُطْلَانِهَا.
قَدْ بَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ مِنَ التَّفْسِيرِ أَنَّ أَكْثَرَ الْبَشَرِ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا مُقَدِّرًا وَرَبًّا مُدَبِّرًا، وَأَنَّ هَذَا الرَّبَّ الْخَالِقَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعْبَدَ وَيُشْكَرَ، وَبَيَّنَّا أَنَّ كُفْرَ أَكْثَرِ الْكُفَّارِ إِنَّمَا هُوَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَلَوْ بِقَصْدِ التَّوَسُّلِ لِلتَّقْرِيبِ إِلَيْهِ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ. وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْكُفَّارِ الْمُشْرِكِينَ يَكْفُرُونَ بِالرُّسُلِ سَوَاءٌ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِوُجُودِ اللهِ وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ، أَمْ لَا وَهْمُ الْأَقَلُّونَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ اسْتِبْعَادُ وُقُوعِ الْوَحْيِ وَشُبُهَاتٌ أُخْرَى عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ السُّورَةُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَمَوْضُوعَ الْوَحْيِ وَالدَّلِيلَ عَلَيْهِ وَوَظَائِفَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. وَكَشَفَتْ مَا أَوْرَدُوا مِنَ الشُّبُهَاتِ عَلَى ذَلِكَ. فَنَحْنُ نُلَخِّصُ أَوَّلًا
مَا جَاءَ فِي مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَمَوْضُوعِهَا وَوَظَائِفِ الرُّسُلِ، ثُمَّ نُقَفِّي عَلَيْهِ بِمَا وَرَدَ فِيمَا أَثْبَتَهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْآيَاتِ وَدَفْعِ الشُّبُهَاتِ عَنْهَا فَنَقُولُ:
مَوْضُوعُ الرِّسَالَةِ وَوَظَائِفِ الرَّسُولِ
إِنَّ الرَّسُولَ بَشَرٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا غَيْرَ مُكْتَسَبٍ لِهِدَايَةِ الْخَلْقِ بِهِ إِلَى مَا تَتَزَكَّى بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَتَهَذَّبُ بِهِ أَخْلَاقُهُمْ، وَتَصْلُحُ بِهِ أَحْوَالُهُمُ الشَّخْصِيَّةُ وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ. بِحَيْثُ يَكُونُ الْوَازِعُ لَهُمْ بِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ الْإِيمَانُ الْيَقِينِيُّ وَالتَّسْلِيمُ الْإِذْعَانِيُّ بِالتَّعْلِيمِ وَالْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ لَا الْقَهْرُ وَالسَّيْطَرَةُ، وَبِذَلِكَ يَكُونُونَ سُعَدَاءَ فِي الدُّنْيَا بِقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مِنَ السَّعَادَةِ وَيَحْيَوْنَ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ الْعُلْيَا فِي الْآخِرَةِ.
وَصَفَ اللهُ تَعَالَى مَا أَرْسَلَ بِهِ خَاتَمَ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ الْحَقُّ، وَبِأَنَّهُ بَصَائِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute