للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّتِي يَخْدَعُونَ بِهَا أُولِي الْأَوْهَامِ

وَالْخَيَالَاتِ، فَيُوهِمُونَهُمْ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ وَالْقِدِّيسِينَ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْبَشَرِ، وَيَقْدِرُونَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ مِنَ الْبَشَرِ، وَأَنَّهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى كَالْوُزَرَاءِ وَرُؤَسَاءِ الْحُجَّابِ وَالْأَعْوَانِ عِنْدَ الْمُلُوكِ الْمُسْتَبِدِّينَ، يُقَرِّبُونَ مِنْهُ وَيُبْعِدُونَ عَنْهُ مَنْ شَاءُوا وَيَحْمِلُونَهُ عَلَى الْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ وَالضُّرِّ وَالنَّفْعِ كَمَا يَشَاءُونَ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَبْطَلَ هَذِهِ الشُّبْهَةَ فِي الْآيَاتِ ٧ و٨ و٩ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَرَدَّهَا أَكْمَلَ رَدٍّ، فَرَاجِعْ تَفْصِيلَ الْقَوْلِ فِي تَفْسِيرِهِنَّ (ص ٢٥٨ ج ٧ ط الْهَيْئَةِ تَفْسِيرٌ) ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْآيَةِ (١١١) أَنَّهُ لَوْ نَزَّلَ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَآتَاهُمْ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْآيَاتِ مُقَابِلًا لَهُمْ، أَوْ حَشَرَهُ وَجَمَعَهُ لَهُمْ قَبِيلًا بَعْدَ قَبِيلٍ مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ ; لِأَنَّهُمْ مُعَانِدُونَ لَا مُرِيدُو حَقٍّ وَطُلَّابُ دَلِيلٍ يَعْرِفُونَهُ بِهِ. فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ.

تَعْجِيزُهُمُ الرَّسُولَ بِطَلَبِ الْآيَاتِ كَانَ الْجَاهِلُونَ الْمُعَانِدُونَ مِنْ كَفَّارِ مَكَّةَ يُطَالِبُونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآيَاتِ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَكَانَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى يَحْتَجُّ وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهَا بِشَهَادَةِ اللهِ لَهُ وَهِيَ أَنْوَاعٌ، وَبِالْقُرْآنِ الْجَامِعِ لِأَقْوَى طُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ الْعِلْمِيَّةِ، وَالْعَقْلِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ آيَةً فِي نَفْسِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَآيَةً بِاعْتِبَارِ كَوْنِ مَنْ أُنْزِلَ عَلَى قَلْبِهِ وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ كَانَ أُمِّيًّا لَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا مَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا وُجُوهَ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى رِسَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَرَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ ١٩ فِي ص٢٨٢ ج ٧ ط الْهَيْئَةِ تَفْسِيرٌ. وَالْآيَةِ ٢٥ ص ٢٨٩ ج ٧ ط. الْهَيْئَةِ تَفْسِيرٌ. وَالْآيَةِ ٣٧ ص ٣٢٣ ج ٧ ط الْهَيْئَةِ تَفْسِيرٌ، وَفِيهِ بَيَانُ كَوْنِ الْقُرْآنِ أَدَلَّ عَلَى رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَةِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي أُوتِيهَا مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرُهُمَا - عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى رِسَالَتِهِمْ، وَالْآيَةِ ٥٠ (ص ٣٥١ - ٣٥٦ ج ٧ ط الْهَيْئَةِ تَفْسِيرٌ. وَكَذَا الْآيَةِ ٥ مِنَ السُّورَةِ ص ٢٥٢ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ) .

نَعَمْ إِنَّ آيَةَ الْقُرْآنِ أَقْوَى الْحُجَجِ وَأَظْهَرُ الدَّلَالَاتِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ وَمُرْشِدَةٌ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَانُوا يُطَالِبُونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْآيَاتِ عَلَى صِدْقِهِ لَمْ يَكُونُوا يَنْظُرُونَ فِي الْآيَاتِ وَلَا يَحْفِلُونَ بِأَمْرِ الِاسْتِدْلَالِ، بَلْ كَانُوا يُعْرِضُونَ عَنْ كُلِّ آيَةٍ لِأَنَّهُمْ فَرِيقَانِ: فَرِيقُ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُبَرَاءِ الَّذِينَ شَغَلَهُمُ الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ لِلرَّسُولِ وَالْعَدَاوَةُ لَهُ عَنِ النَّظَرِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ هُدًى وَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ مِنْ دَلِيلٍ، وَفَرِيقُ الْمُقَلِّدِينَ الَّذِينَ أَلْفَوْا مَا وَرِثُوا عَنْ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ فَأَعْرَضُوا عَنْ كُلِّ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُزَيِّفًا لَهُ وَمُضَلِّلًا لِأَهْلِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ

تَعَالَى بَعْدَ افْتِتَاحِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ بِحَمْدِهِ وَوَصْفِهِ بِمَا يُثْبِتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>