بَصَائِرَ لِلنَّاسِ، وَأُيِّدَ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْعَقَائِدِ الْإِلَهِيَّةِ وَبَحْثِ الرِّسَالَةِ. وَالْيَقِينُ جَزْمٌ تَطْمَئِنُّ بِهِ النَّفْسُ لَا يُزَلْزِلُهُ شَكٌّ وَلَا رَيْبٌ.
(الْأَصْلُ التَّاسِعُ) التَّقْلِيدُ فِي الدِّينِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ يُنَافِي أَصْلَ الْعِلْمِ الْيَقِينِ. فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ فِي الدِّينِ هُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي دِينِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ وَقَوْمِهِ أَوْ مُعَلِّمِهِ وَلَيْسَ عَلَى عِلْمٍ وَلَا بَصِيرَةٍ فِيهِ، فَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَتْبَاعِ الرَّسُولِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١٢ - ١٠٨) فَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ مِنْ كَوْنِ هَذَا الدِّينِ عِلْمًا مُؤَيَّدًا بِالْحُجَّةِ وَبَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَهُوَ مُبْطِلٌ لِلتَّقْلِيدِ، وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ النَّعْيِ عَلَى الْكُفَّارِ وَعَيْبِهِمْ بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ، وَوَصْفِهِمْ بِالصُّمِّ الْبُكْمِ الْعُمْيِ، وَبِكَوْنِهِمْ لَا يَعْقِلُونَ - فَهُوَ مُبْطِلٌ لِلتَّقْلِيدِ. وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ بِالدَّلِيلِ عَلَى مَا يَدْعُونَ وَبِالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ فَكَذَلِكَ. وَقَدْ نَبَّهْنَا فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ آيَاتِ السُّورَةِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إِلَى بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ آيَةِ ١٤٤: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وَالْعِبْرَةُ فِيهِ أَنَّهُ جَاءَ فِي خَاتِمَةِ تَقْرِيعِهِمْ عَلَى مَا حَرَّمُوا مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ تَقْلِيدًا لِآبَائِهِمْ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ كُلُّ تِلْكَ الْآيَاتِ هَادِمَةً لِلتَّقْلِيدِ، وَيُؤَيِّدُهَا آيَةُ مُحَرَّمَاتِ الطَّعَامِ بَعْدَهَا. وَقَدْ نَقَلْنَا فِي تَفْسِيرِهَا كَلَامًا حَسَنًا فِي جَهْلِ الْمُقَلِّدِينَ وَإِيثَارِهِمْ كَلَامَ شُيُوخِهِمْ عَلَى كَلَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ نَقَلَهُ الرَّازِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الَّذِي وَصَفَهُ بِخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ، وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ خُسْرَانِ النَّفْسِ فِي ص٢٧٤ ج ٧ ط الْهَيْئَةِ.
(الْأَصْلُ الْعَاشِرُ) أَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ التَّعَبُدِيَّانِ وَسَائِرَ شَرَائِعِ الْعِبَادَةِ وَشَعَائِرِهَا مِنْ حَقِّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنْ وَضَعَ لَهُمْ حُكْمًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى شَرْعِ اللهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَى رَسُولِهِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللهِ وَجَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأَضَلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ ضَالٌّ مُضِلٌّ، وَمَا جَاءَ بِهِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَاتِ ١٣٦ - ١٤٠.
(الْأَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ) أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى النَّاسِ طَعَامًا يَطْعَمُونَهُ إِلَّا الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْآيَةِ (١٤٥) وَهِيَ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَرَاجِعْ تَحَقُّقَ الْحَقِّ فِي تَفْسِيرِهَا.
(الْأَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ) أَنَّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ تُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهَا بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ بَاغِيًا أَيْ مُرِيدًا لَهَا، وَلَا عَادِيًا أَيْ مُتَجَاوِزًا حَدَّ الضَّرُورَةِ إِلَى التَّمَتُّعِ بِهَا. وَإِذَا كَانَ
الِاضْطِرَارُ عِلَّةَ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ بِشَرْطِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يَضْطَرُّ إِلَيْهَا الْإِنْسَانُ لِحِفْظِ حَيَاتِهِ، كَالِاضْطِرَارِ إِلَى الْخَمْرِ أَحْيَانًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَيْسَ مِنْهُ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ أَحَدٌ لِحِفْظِ حَيَاتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute