للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالِاعْتِبَارِ، وَطَرِيقِ الرِّوَايَةِ وَالتَّلَقِّي عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ وَالِاخْتِبَارِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢٢: ٤٦) .

وَقَدْ نَبَّهَتْ آيَةُ آلِ عِمْرَانَ إِلَى أَصْلٍ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الْعِلْمِ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنَ السِّيَاحَةِ وَاخْتِبَارِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِسُنَنِ اللهِ فِي شُئُونِ الْبَشَرِ الْعَامَّةِ، الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) (٣: ١٣٧) الْآيَةَ. وَنَبَّهَتْ آيَةُ الْعَنْكَبُوتِ إِلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ الْبَحْثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدْءِ الْخَلْقِ مِنَ الْآثَارِ؛ لِيَكُونَ مِنْ فَوَائِدِهِ قِيَاسُ النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ عَلَى النَّشْأَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (٢٩: ٢٠) الْآيَةَ. وَنَبَّهَتِ الْآيَةُ الْأُولَى مِنْ آيَتَيْ سُورَةِ الرُّومِ إِلَى النَّظَرِ فِي أَحْوَالِ الْأُمَمِ وَآثَارِهَا الْخَاصَّةِ بِالْقُوَّةِ الْحَرْبِيَّةِ وَمَوَارِدِ الثَّرْوَةِ الزِّرَاعِيَّةِ وَسَائِرِ شُئُونِ الْعُمْرَانِ، وَكَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ وَأَسْبَابُهُ، لِيُعْلَمَ أَنَّ الْقُوَّةَ وَالثَّرْوَةَ لَا تَحُولُ دُونَ هَلَاكِ الْأُمَّةِ إِذَا اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ بَالظُّلْمِ وَكُفْرِ النِّعْمَةِ وَهِيَ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا) (٣٠: ٩) إِلَخْ. وَفِي مَعْنَاهَا آيَةُ فَاطِرٍ (٣٥: ٤٤) وَهِيَ خَاصَّةٌ بِمَسْأَلَةِ الْقُوَّةِ، وَلَكِنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ بَيَانِ سُنَّةِ اللهِ فِي الْأَوَّلِينَ، وَأَنَّ سُنَنَ اللهِ لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَحْوِيلَ، فَهِيَ تُرْشِدُ بِمَوْقِعِهَا إِلَى الْبَحْثِ عَنْ تِلْكَ السُّنَنِ. وَفِي مَعْنَاهَا آيَتَا سُورَةِ غَافِرٍ (٤٠: ٢١ و٨٢) فَهُمَا تُرْشِدَانِ إِلَى الِاعْتِبَارِ بِقُوَّةِ الْأُمَمِ وَآثَارِهَا فِي الْأَرْضِ، فَتُزِيدُ عَلَى مَا قَبْلَهَا الْإِرْشَادَ إِلَى الِاسْتِفَادَةِ مِنْ صِنَاعَاتِ الْأَوَّلِينَ وَطُرُقِ كَسْبِهِمْ، وَالِاعْتِبَارِ بِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ وَاقِيَةً لَهُمْ مَعَ قُوَّتِهِمُ الْحَرْبِيَّةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ إِيَّاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأُمَّهَاتِ مِنْ أُصُولِ عُلُومِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ اخْتِصَارًا، وَهُوَ كَافٍ لِتَذْكِيرِ مُسْلِمِي هَذَا الْعَصْرِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أَرْشَدَ الْبَشَرَ إِلَى جَمِيعِ وَسَائِلِ سَعَادَةِ الْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ فِي أَمْرَيِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ.

(الْأَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ) جَعَلَ اللهُ الظُّلْمَ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْأُمَمِ وَإِبَادَةِ الْأَقْوَامِ فَقَالَ: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (٤٥) وَقَالَ: (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) (٤٧) وَقَالَ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢) وَقَالَ: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (١٣٥) وَالظُّلْمُ أَنْوَاعٌ قَدْ بُيِّنَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضُهَا، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ الظُّلْمُ الْعَامُّ (رَاجِعْ تَفْسِيرَ الشَّاهِدِ الْأَخِيرِ فِي الْآيَةِ ١٣٥) .

(الْأَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ) التَّرْغِيبُ فِي عُلُومِ الْكَائِنَاتِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْبَحْثِ فِيهَا لِمَعْرِفَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>