للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُورَةُ الْأَعْرَافِ

(وَهِيَ السُّورَةُ السَّابِعَةُ فِي الْعَدَدِ وَسَادِسَةُ السَّبْعِ الطُّوَلِ وَآيَاتُهَا ٢٠٥ آيَاتٍ عِنْدَ الْقُرَّاءِ الْبَصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ و٢٠٦ عِنْدَ الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ)

الْأَعْرَافُ مَكِّيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ أُطْلِقَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَاسْتَثْنَى قَتَادَةُ آيَةَ (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) (١٦٣) رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ حِبَّانَ. قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ هُنَا إِلَى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) (١٧٢) مَدَنِيٌّ. اهـ وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا رَأَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ مُتَّصِلٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ بِالْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا مَكِّيًّا وَبَعْضُهَا مَدَنِيًّا وَبِهَذَا النَّظَرِ نَقُولُ: إِنَّ مَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا بَعْدَهَا فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قِصَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَنَّ الْغَايَةَ وَهِيَ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمُغَيَّا فَهِيَ بَدْءُ سِيَاقٍ جَدِيدٍ عَامٍّ. وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ.

مُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا:

سُورَةُ الْأَعْرَافِ أَطْوَلُ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، فَلَوْ كَانَ تَرْتِيبُ السَّبْعِ الطُّوَلِ

مُرَاعًى فِيهِ تَقْدِيمُ الْأَطْوَلِ فَالْأَطْوَلِ مُطْلَقًا لَقُدِّمَتِ الْأَعْرَافُ عَلَى الْأَنْعَامِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَهَا - وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِثْلَهَا - فَلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ لِتَقْدِيمِ الْأَنْعَامِ إِلَّا أَنَّهَا أَجْمَعُ لِمَا تَشْتَرِكُ السُّورَتَانِ فِيهِ وَهُوَ أَصُولُ الْعَقَائِدِ وَكُلِّيَّاتِ الدِّينِ الَّتِي أَجْمَلْنَا جُلَّ أُصُولِهَا فِي خَاتِمَةِ تَفْسِيرِهَا، وَكَوْنِ مَا أُطِيلُ بِهِ فِي الْأَعْرَافِ كَالشَّرْحِ لِمَا أُوجِزَ بِهِ فِيهَا أَوِ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، وَلَا سِيَّمَا عُمُومُ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِصَصُ الرُّسُلِ قَبْلَهُ وَأَحْوَالُ أَقْوَامِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ هَذَا التَّنَاسُبِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مَعَ مَا قَبْلَهُمَا فِي فَاتِحَةِ تَفْسِيرِ الْأُولَى (رَاجِعْ ص٢٤٠ وَمَا بَعْدَهَا ج ٧ ط الْهَيْئَةِ) وَسَنَزِيدُهُ تَفْصِيلًا فِيمَا نَذْكُرُهُ فِي خَاتِمَةِ الْأَعْرَافِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي خَاتِمَةِ الْأَنْعَامِ مِنَ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ فِيهَا إِنْ أَحْيَانَا اللهُ تَعَالَى. وَأَمَّا سَبَبُ تَأْخِيرِ نُزُولِ الْأَنْعَامِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا عُلِمَ مِنَ التَّدْرِيجِ فِي تَلْقِينِ الدِّينِ وَمُرَاعَاةِ اسْتِعْدَادِ الْمُخَاطَبِينَ فِيهِ وَهِيَ أَجْمَعُ لِلْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ وَلِرَدِّ شُبُهَاتِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ مَا يُرَاعَى مِنَ التَّرْتِيبِ فِي دَعْوَتِهِمْ وَمَا يُرَاعَى فِي تِلَاوَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْقُرْآنِ.

وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مَا نَقَلَهُ الْآلُوسِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ سُورَةَ الْأَنْعَامِ لَمَّا كَانَتْ لِبَيَانِ الْخَلْقِ وَفِيهَا (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ٦: ٢) وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي بَيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>