للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: ذُكِرَ الْمِيزَانُ عِنْدَ الْحَسَنِ فَقَالَ: لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيُّ: قِيلَ إِنَّمَا تُوزَنُ الصُّحُفُ. وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّهَا أَعْرَاضٌ فَلَا تُوصَفُ بِثِقَلٍ وَلَا خِفَّةٍ. وَالْحَقُّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ حِينَئِذٍ تُجَسَّدُ أَوْ تُجْعَلُ فِي أَجْسَامٍ فَتَصِيرُ أَعْمَالُ الطَّائِعِينَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَأَعْمَالُ الْمُسِيئِينَ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ ثُمَّ تُوزَنُ، وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الَّذِي يُوزَنُ الصَّحَائِفُ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا الْأَعْمَالُ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تُوزَنُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ قَالَ: فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالصُّحُفُ أَجْسَامٌ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ، وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ الْبِطَاقَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ صَحَّحَهُ وَفِيهِ " فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةِ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ " انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ " وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ " تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ النَّارَ - قِيلَ: وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؟ قَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ " أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ، وَعِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَوْقُوفًا. وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا أَنَّ صَاحِبَ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اهـ. مَا لَخَّصَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ.

أَقُولُ: وَقَدِ اسْتَقْصَى السُّيُوطِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مِنَ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ مَا وَرَدَ فِي الْمِيزَانِ أَوِ الْوَزْنِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالسَّقِيمَةِ أَوْ جُلِّهِ، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْهَا إِلَّا مَا خَتَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ صَحِيحَهُ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعُ " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ " وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي كُتُبِ السُّنَنِ الْمُعْتَمِدَةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ فِي صِفَةِ الْمِيزَانِ وَلَا فِي أَنَّ لَهُ كِفَّتَيْنِ وَلِسَانًا فَلَا نَغْتَرُّ بِقَوْلِ الزَّجَّاجِ. إِنَّ هَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ. فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُصَنِّفِينَ يَتَسَاهَلُونَ بِإِطْلَاقِ كَلِمَةِ الْإِجْمَاعِ وَلَا سِيَّمَا غَيْرُ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، وَالزَّجَّاجُ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَيَتَسَاهَلُونَ فِي عَزْوِ كُلِّ مَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَى جَمَاعَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَصْلٌ مِنَ السَّلَفِ، وَلَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْخَلَفُ مِنْهُمْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ كَمَا عَلِمْتُ،

فَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْوَزْنَ بِمِيزَانٍ، هَلْ هُوَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ أَمْ لِكُلِّ شَخْصٍ أَوْ لِكُلِّ عَمَلٍ مِيزَانٌ؟ وَفِي الْمَوْزُونِ بِهِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ الْأَشْخَاصُ لَا الْأَعْمَالُ، وَفِي صِفَةِ الْمَوْزُونِ وَالْوَزْنِ، وَفِيمَنْ يُوزَنُ لَهُمْ، أَلِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً أَمْ لَهُمْ وَلِلْكُفَّارِ؟ وَفِي صِفَةِ الْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>