وَشِعَابٍ وَذِئْبٍ وَذِئَابٍ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرِّيشُ وَالرِّيَاشُ بِمَعْنَى كَاللِّبْسِ وَاللِّبَاسِ، وَهُوَ اللِّبَاسُ الْفَاخِرُ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الرِّيَاشُ مُخْتَصٌّ بِالثِّيَابِ وَالْأَثَاثِ، وَالرِّيشُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ مَصْدَرًا مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ رَاشَهُ اللهُ يَرِيشُهُ رِيَاشًا وَرِيشًا. كَمَا يُقَالُ لَبِسَهُ يَلْبَسُهُ لِبَاسًا وَلِبْسًا (بِكَسْرِ اللَّامِ) (ثُمَّ قَالَ) وَالرِّيَاشُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْأَثَاثُ وَمَا ظَهَرَ مِنَ الثِّيَابِ مِنَ الْمَتَاعِ مِمَّا يُلْبَسُ أَوْ يُحْشَى مِنْ فِرَاشٍ أَوْ دِثَارٍ وَالرِّيشُ إِنَّمَا هُوَ الْمَتَاعُ وَالْأَمْوَالُ عِنْدَهُمْ. وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلُوهُ فِي الثِّيَابِ وَالْكُسْوَةِ دُونَ سَائِرِ الْمَالِ، يَقُولُونَ: أَعْطَاهُ سَرْجًا بِرِيشِهِ - أَيْ بِكُسْوَتِهِ وَجَهَازِهِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَحَسَنُ رِيشِ الثِّيَابِ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الرِّيَاشُ فِي الْخِصْبِ وَرَفَاهَةِ الْعَيْشِ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ مُفَسِّرِي السَّلَفِ مَا يُؤَيِّدُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الرِّيشَ الْمَالُ، وَعَنْ آخَرِينَ أَنَّهُ الْمَعَاشُ أَوِ الْجَمَالُ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ لِبَاسُ الْحَاجَةِ وَالزِّينَةِ مَعًا، بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهِ بِلِبَاسِ السَّتْرِ الَّذِي يُوَارِي الْعَوْرَاتِ وَلِبَاسِ التَّقْوَى.
خَاطِبَ اللهُ تَعَالَى بَنِي آدَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا بِالنِّدَاءِ الَّذِي يُخَاطَبُ بِهِ الْبَعِيدُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ عَرَبُهُمْ وَعَجَمُهُمْ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي مَكَّةَ مِنَ الْبُعْدِ عَنِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَالشِّرْعَةِ الْقَوِيمَةِ، تَنْبِيهًا لِلْأَذْهَانِ، بِمَا يَقْرَعُ الْآذَانَ، فَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ - بَعْدَ أَنْ أَنْبَأَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ عُرْيِ سَلَفِهِمُ الْأَوَّلِ - بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ اللِّبَاسِ عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهِ وَأَنْوَاعِهِ، مِنَ الْأَدْنَى الَّذِي يَسْتُرُ السَّوْءَةَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ إِلَى أَنْوَاعِ الْحُلَلِ الَّتِي تُشْبِهُ رِيشَ الطَّيْرِ فِي وِقَايَةِ الْبَدَنِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِسَتْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الزِّينَةِ وَالْجِمَالِ اللَّائِقَةِ بِجَمِيعِ ذُكْرَانِ الْبَشَرِ وَإِنَاثِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ أَسْنَانِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ، فَهُوَ يَقُولُ: يَا بَنِي آدَمَ إِنَّا بِمَا لَنَا مِنَ الْقُدْرَةِ وَالنِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ مِنْ عُلُوِّ سَمَائِنَا بِتَدْبِيرِنَا لِأُمُورِكُمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِنَا،
لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَهُوَ أَدْنَى اللِّبَاسِ وَأَقَلُّهُ الَّذِي يُعَدُّ فَاقِدُهُ ذَلِيلًا مَهِينًا - وَرِيشًا تَتَزَيَّنُونَ بِهِ فِي مَسَاجِدِكُمْ وَمَجَالِسِكُمْ وَمَجَامِعِكُمْ، وَهُوَ أَعْلَاهُ وَأَكْمَلُهُ، وَبَيْنَهُمَا لِبَاسُ الْحَاجَةِ وَهُوَ مَا يَقِي الْحَرَّ وَالْبَرْدَ. وَالِامْتِنَانُ بِهِ يُؤْخَذُ مِنَ الِامْتِنَانِ بِمَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْأُسْلُوبِ، أَوْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ بِطْرِيقِ الْمَنْطُوقِ عَلَى مَا اخْتَرْنَا آنِفًا.
وَالْمُرَادُ بِإِنْزَالِ مَا ذُكِرَ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ لِبَنِي آدَمَ مَادَّتَهُ مِنَ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَرِيشِ الطَّيْرِ وَالْحَرِيرِ وَغَيْرِهَا، وَعَلَّمَهُمْ بِمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْغَرَائِزِ وَالْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ وَسَائِلَ صُنْعِ اللِّبَاسِ مِنْهَا كَالزِّرَاعَةِ وَالْغَزْلِ وَالنَّسْجِ وَالْخِيَاطَةِ.
وَإِنَّ مِنَنَهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الصِّنَاعَاتِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ أَضْعَافُ مِنَنِهِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ شُعُوبِ بَنِي آدَمَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ شُكْرُهُمْ لَهُ أَعْظَمَ، فَقَدْ بَلَغَ مِنْ إِتْقَانِ صِنَاعَاتِ اللِّبَاسِ أَنَّ عَاهِلَ أَلْمَانِيَّةَ الْأَخِيرَ (قَيْصَرَهَا) دَخَلَ مَرَّةً أَحَدَ مَعَامِلِ الثِّيَابِ لِيُشَاهِدَ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute