للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَوْلَهُ شَيْئًا، وَلَكِنْ كَانَ يَقُولُ: جَاءَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ رَشِيدٌ. . . . وَلَمَّا رَأَيْتُهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ تَوَجَّهْتُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِإِخْلَاصٍ وَخُشُوعٍ وَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى رَأْسِهِ وَقُلْتُ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَامَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ هَذَا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ لَا أَذْكُرُهُ وَشَفَاهُ تَعَالَى وَأَذْهَبَ عَنْهُ الرَّوْعَ ثَانِيَةً بِنَحْوِ مِمَّا أَذْهَبَهُ عَنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّنِي

لَمْ أَرَ أُولَئِكَ الْجِنَّ الَّذِينَ كَانَ يَرَانِي أُجَادِلُهُمْ وَأَذُودُهُمْ عَنْهُ، وَالْوَاقِعَةُ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ عِنْدِي، وَلَا أُعِدُّهَا دَلِيلًا قَطْعِيًّا عَلَى كَوْنِ صَرْعِهِ كَانَ مِنَ الْجِنِّ، كَمَا أَنَّهُ لَا مَانِعَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَنَا فِي الْبَلَدِ وَكَثْرَةِ مَنْ شَهِدَهَا.

وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَرِيبِ الِاتِّفَاقِ أَنَّنِي كُنْتُ أُعَاشِرُ بَعْضَ أَصْحَابِ هَذَا الصَّرَعِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَحْدُثُ لَهُمْ وَأَنَا مَعَهُمْ قَطُّ، وَمِنْهُمْ حَمُّودَهْ بِكْ أَخُو شَيْخِنَا الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ، كُنْتُ أَكْثَرَ النَّاسِ مُعَاشَرَةً لَهُمْ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ كَانَ يُكْثِرُ زِيَارَتَهُمْ إِلَّا وَرَأَى حَمُّودَهْ يُصْرَعُ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ اشْتِدَادِ النَّوْبَاتِ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ مَرَضِ الشَّيْخِ وَبَعْدِهِ، حَتَّى كَانَتْ رُبَّمَا تَتَعَدَّدُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، وَلَكِنَّنِي كُنْتُ أَمْكُثُ عِنْدَهُمْ فِي الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، وَلَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَمَامِي. وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ صَدِيقُنَا مُحَمَّد شَرِيف الْفَارُوقِيُّ - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى - وَلَا أَسْتَبْعِدُ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِ الْأَرْوَاحِ تَأْثِيرٌ فِي بَعْضٍ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا لَا أَنْفِي عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ نَوَادِرِ الِاتِّفَاقِ، وَكَانَ شُيُوخُ بَلَدِنَا يَنْقُلُونَ عَنْ جَدِّي الثَّالِثِ غَرَائِبَ فِي هَذَا الْبَابِ.

وَإِنَّنِي لَمْ أَذْكُرْ هَذَا إِلَّا لِأَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنِّي أَمِيلُ فِي تَشَدُّدِي فِي كَشْفِ غِشِّ الدَّجَّالِينَ إِلَى آرَاءِ الْمَادِّيِّينَ وَثَانِيهِمَا: أَلَّا يَجْعَلَ أَحَدٌ مَا نُقِلَ عَنْ مِثْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ إِرْسَالِهِ رَسُولًا إِلَى الْمَصْرُوعِ يُخْرِجُ مِنْهُ الشَّيْطَانَ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُنْكِرُ دَجَلَ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ مِنْ عِبَادِ الشَّيَاطِينِ أَوِ الدُّعَاةِ إِلَى عِبَادَتِهِمْ، بِتَخْوِيفِ النَّاسِ مِمَّا لَا يُخِيفُ مِنْهُمْ، أَوِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِمْ بِمَا يُعَدُّ عِبَادَةً لَهُمْ، كَمَا يَعْبُدُ الْيَزِيدِيَّةُ إِبْلِيسَ جَهْرًا بِدَعْوَى أَنَّهُمْ بِذَلِكَ يَتَّقُونَ شَرَّهُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى. فَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الدَّجَّالِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيهِمْ:

(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) أَيْ قَدْ مَضَتْ سُنَّتُنَا فِي التَّنَاسُبِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُتَجَانِسَةِ وَالْمُتَشَاكِلَةِ، أَنْ يَكُونَ الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ هُمْ شِرَارُ الْجِنِّ أَوْلِيَاءَ لِشِرَارِ الْإِنْسِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>