(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) هَذَا بَيَانٌ لِبَعْضِ آثَارِ وِلَايَةِ الشَّيَاطِينِ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ، أَيْ إِنَّهُمْ يُطِيعُونَهُمْ فِي إِغْوَائِهِمْ فِي أَقْبَحِ الْأَشْيَاءِ وَلَا يَشْعُرُونَ بِقُبْحِهَا.
(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: وَإِذَا فَعَلَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ، الَّذِينَ جَعَلَ اللهُ لَهُمُ الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ، قَبِيحًا مِنَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْفَاحِشَةُ، وَذَلِكَ تَعَرِّيهِمْ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَتَجَرُّدُهُمْ لَهُ فَعُذِلُوا عَلَى مَا أَتَوْا مِنْ قَبِيحِ فِعْلِهِمْ وَعُوتِبُوا عَلَيْهِ قَالُوا: وَجَدْنَا عَلَى مِثْلِ مَا نَفْعَلُ آبَاءَنَا فَنَحْنُ نَفْعَلُ مِثْلَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَنَقْتَدِي بِهِمْ وَنَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِمْ وَاللهُ أَمَرَنَا بِهِ فَنَحْنُ نَتَّبِعُ أَمْرَهُ فِيهِ اهـ. وَالْفَاحِشَةُ: كُلُّ مَا عَظُمَ قُبْحُهُ، وَفَسَّرَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ هُنَا بِطَوَافِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا كَانُوا يَعْذِلُونَهُمْ وَيُقَبِّحُونَ فِعْلَتَهُمْ هَذِهِ كَانُوا يُجِيبُونَ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَمِمَّا رَوَاهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ: كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً يَقُولُونَ: نَطُوفُ كَمَا وَلَدَتْنَا أُمَّهَاتُنَا، فَتَضَعُ الْمَرْأَةُ عَلَى قُبُلِهَا النِّسْعَةَ (أَيِ الْقِطْعَةَ مِنْ سُيُورِ الْجِلْدِ) أَوِ الشَّيْءَ فَتَقُولُ:
الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْفِعْلَةِ الْفَاحِشَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ شُبْهَتِهِمُ الشَّيْطَانِيَّةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّهُمْ لَا يَطُوفُونَ بِبَيْتِ رَبِّهِمْ فِي ثِيَابٍ عَصَوْهُ بِهَا وَبَيَّنَّا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ.
فَأَمَّا اعْتِذَارُهُمْ بِالتَّقْلِيدِ فَقَدْ رَدَّهُ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فِي مَوَاضِعَ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي سُورَتَيِ الْبَقَرَةِ وَالْمَائِدَةِ. وَقَالَ مُفَسِّرُو الْمُتَكَلِّمِينَ كَالزَّمَخْشَرِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَالرَّازِيِّ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُجِبْ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ وَهِيَ مَحْضُ التَّقْلِيدِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْعُقُولِ مِنْ أَنَّهُ طَرِيقَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ حَاصِلٌ فِي الْأَدْيَانِ الْمُتَنَاقِضَةِ، فَلَوْ كَانَ حَقًّا لَزِمَ الْقَوْلُ بِحَقِّيَّةِ الْأَدْيَانِ الْمُتَنَاقِضَةِ، وَهُوَ مُحَالٌ. فَلَمَّا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute