(وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ)
هَذَا النِّدَاءُ حَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ أَوْ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ صُدُورِهِ عَمَّنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي تَفْسِيرِهِ (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) كَرَّرَ ذِكْرَهُمْ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ بِهِ فَلَمْ يَقُلْ: (وَنَادَوْا) لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ، وَكَوْنِ هَذَا النِّدَاءِ خَاصًّا فِي مَوْضُوعٍ خَاصٍّ، فَكَانَ مُسْتَقِلًّا دُونَ مَا قَبْلَهُ الْمُوَجَّهِ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي جُمْلَتِهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا النِّدَاءَ يَكُونُ فِي بَعْضِهِمْ لِمَنْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِغِنَاهُمْ وَقُوَّتِهِمُ الْمُحْتَقَرِينَ لِضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ لِفَقْرِهِمْ وَضَعْفِ عَصَبِيَّتِهِمْ، أَوْ لِحِرْمَانِهِمْ مِنْ عُصْبَةٍ تَمْنَعُهُمْ وَتَذُودُ عَنْهُمْ، الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَغْنَاهُ اللهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُ قَوِيًّا فِي الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إِنْ كَانَ هُنَالِكَ آخِرَةٌ (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمَعَذَّبِينَ) (٣٤: ٣٤، ٣٥) وَمِنْهُمْ طُغَاةُ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَاوَمُوا الْإِسْلَامَ فِي مَكَّةَ وَاضْطَهَدُوا أَهْلَهُ كَأَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَا أَهْلِ النَّارِ الْعَامَّةِ كَسَوَادِ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةِ الْعُيُونِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمُ الْخَاصَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ بِسِيمَا الْمُسْتَكْبِرِينَ إِذْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مَنْ تَغْلِبُ عَلَيْهِمْ رَذِيلَةٌ خَاصَّةٌ صِفَةٌ وَعَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِمْ. وَفِي الصَّحِيحِ " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ " فَيَعْرِفُهُ فَيَشْفَعُ لَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ ثُمَّ يَمْسَخُهُ اللهُ ذِيخًا مُنْتِنًا لِيَزُولَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ خِزْيُهُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ مَسْخَهُ ضَبْعًا مُنَاسِبٌ لِحَمَاقَتِهِ وَنَتْنِ الشِّرْكِ [رَاجِعْ ص٤٤٩ وَمَا بَعْدَهَا ج ٧ ط الْهَيْئَةِ] وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ. أَيْ مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ لِلْمَالِ وَكَذَا لِلرِّجَالِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَاسْتِكْبَارُكُمْ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ لَمْ يَمْنَعْ عَنْكُمُ الْعَذَابَ وَلَا أَفَادَكُمْ شَيْئًا مِنَ الثَّوَابِ؟ .
(أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) أَيْ يُشِيرُونَ إِلَى أُولَئِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute