وَالْكِسَائِيُّ، وَجِبْرَيِلُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ قَرَأَ بِهَا ابْنُ كَثِيرٍ وَالْحَسَنُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَجَبْرَئِلُ كَجَحْمَرِشٍ قَرَأَ بِهَا عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَجِبْرِيلُ كَقِنْدِيلٍ قَرَأَ بِهَا الْبَاقُونَ. وَأَرْبَعٌ فِي الشَّوَاذِّ: جَبْرَإِلُ، وَجَبْرَائِيلُ، وَجَبْرِئْلُ، وَجَبْرِينُ.
وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: (نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) وَرَدَ عَلَى طَرِيقِ الْالْتِفَاتِ عَنِ التَّكَلُّمِ إِلَى الْخِطَابِ إِذْ كَانَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ: (نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِي) وَقَدْ قَالُوا فِي نُكْتَتِهِ: إِنَّهَا حِكَايَةُ مَا خَاطَبَهُ اللهُ - تَعَالَى - بِهِ. وَلَا أَرَى صَاحِبَ الذَّوْقِ السَّلِيمِ إِلَّا مُسْتَنْكِرًا صِيغَةَ التَّكَلُّمِ فِي هَذَا الْمُقَامِ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ لَا تَبْعُدُ عَنِ الْأَفْهَامِ، وَمِنْهَا أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ الْبَارِزَ فِي (نَزَّلَهُ) لِلْقُرْآنِ وَهُوَ لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا عَيَّنَتْهُ قَرِينَةُ الْحَالِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَخَامَةِ شَأْنِهِ، كَأَنَّهُ لِشُهْرَتِهِ قَدِ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ (قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ) .
أَقَامَ الْحُجَجَ عَلَى حَمَاقَتِهِمْ وَسُخْفِهِمْ فِي دَعْوَى عَدَاوَةِ جِبْرِيلَ، وَبَيَانِ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَانِعَةً مِنَ الْإِيْمَانِ بِكِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللهُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي طُوِيَتْ فِيهَا الْحُجَجُ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي آيَةٍ أُخْرَى حَقِيقَةَ حَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْعَدَاوَةِ فَقَالَ: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) بِكُفْرِهِ بِمَا يُنْزِلُهُ مِنَ الْهِدَايَةِ (وَمَلَائِكَتِهِ) بِرَفْضِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ الَّذِي فُطِرُوا عَلَيْهِ، وَكَرَاهَةِ الْقِيَامِ بِمَا يَعْهَدُ بِهِ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ لِأَنَّهُمْ (لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (٦٦: ٦) ، (وَرُسُلِهِ) بِتَكْذِيبِ بَعْضٍ وَقَتْلِ بَعْضٍ (وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) بِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْزِلُ بِالْآيَاتِ وَالنُّذُرِ، وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَهُوَ عَدُوٌّ لِمِيكَالَ؛ لِأَنَّ
فِطْرَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَقِيقَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، مَنْ مَقَتَهَا وَعَادَاهَا فِي أَحَدِهِمَا فَقَدْ عَادَاهَا فِي الْآخَرِ (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) أَيْ مَنْ عَادَى اللهَ وَعَادَى هَؤُلَاءِ الْمُقَرَّبِينَ مِنَ اللهِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ رَحْمَةً لِخَلْقِهِ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ بِاللهِ وَمُعَادٍ لَهُ، وَاللهُ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ أَيْ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْأَعْدَاءِ لِلْأَعْدَاءِ، وَهُمُ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ إِذْ دَعَاهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَ الْأَوْلِيَاءِ (وَمِيكَالَ) بِوَزْنِ مِيعَادٍ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ وَعَاصِمٍ بِرِوَايَةِ حَفْصٍ، وَقَرَأَ نَافِعٌ (مِيكَائِلَ) ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ عَامِرٍ (مِيكَائِيلَ) وَفِي الشَّوَاذِّ: مِيكَئِلُ، وَمِيكَئِيلُ؛ وَمِيكَايِيلُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ بَعْدَ بَيَانِ فَسَادِ الْعِلَّةِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا، وَهُمْ لَمْ يَدَّعُوا عَدَاوَةَ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَلَكِنَّهُمْ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ فِي الْوَاقِعِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ أَعْدَاءُ الْحَقِّ وَأَعْدَاءُ كُلِّ مَنْ يُمَثِّلُهُ وَيَنْقُلُهُ وَيَدْعُو إِلَيْهِ، فَالتَّصْرِيحُ بِعَدَاوَةِ جِبْرِيلَ كَالتَّصْرِيحِ بِعَدَاوَةِ مِيكَالَ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَهُ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّ، لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ عَلَيْهِ. وَمُعَادَاةُ الْقُرْآنِ كَمُعَادَاةِ سَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ. وَمُعَادَاةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمُعَادَاةِ سَائِرِ رُسُلِ اللهِ؛ لِأَنَّ وَظِيفَتَهُمْ وَاحِدَةٌ، فَقَوْلُهُمُ السَّابِقُ وَحَالُهُمْ يَدُلَّانِ عَلَى مُعَادَاةِ كُلِّ مَنْ ذَكَرَ، وَهَذَا مِنْ ضُرُوبِ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا.
وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (لِلْكَافِرِينَ) وَضْعٌ لِلْمُظْهَرِ فِي مَوْضِعِ الْمُضْمَرِ؛ لِبَيَانِ أَنَّ سَبَبَ عَدَاوَتِهِ
-
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute