(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ) (٣: ٥٩) أَيْ عِنْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ. فَجِسْمُهُ مَخْلُوقٌ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ وَرَوْحُهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى.
(تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) أَيْ تَعَاظَمَتْ وَتَزَايَدَتْ بَرَكَاتُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ وَمُدَبِّرِ أُمُورِهِمْ. وَالْحَقِيقِ وَحْدَهُ بِعِبَادَتِهِمْ. فَتَبَارَكَ مِنْ مَادَّةِ الْبَرَكَةِ، وَهِيَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الثَّابِتُ، فَهِيَ هُنَا تَنْبِيهٌ عَلَى مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالنِّعَمِ الَّتِي تُوجِبُ لَهُ الشُّكْرَ وَالْعِبَادَةَ عَلَى عِبَادِهِ دُونَ مَا عَبَدُوهُ مَعَهُ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْخَلْقِ وَلَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَتَكَلَّمْنَا عَلَى مَادَّةِ الْبَرَكَةِ فِي تَفْسِيرِ (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) (٦: ٩٢) فَيُرَاجَعُ:
(تَنْبِيهٌ) عَنَى بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَكَلُّفِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا وَرَدَ مِنْ ذِكْرِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْعَرْشِ عَلَى الْأَفْلَاكِ التِّسْعَةِ فِي الْهَيْئَةِ الْفَلَكِيَّةِ الْيُونَانِيَّةِ، فَزَعَمُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ هِيَ الْأَفْلَاكُ الْمَرْكُوزُ فِيهَا زُحَلُ وَالْمُشْتَرَى
وَالْمِرِّيخُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالزَّهْرَةُ وَعُطَارِدُ، وَأَنَّ الْكُرْسِيَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ هُوَ الْفَلَكُ الثَّامِنُ الَّذِي رَكَزَتْ فِيهِ جَمِيعُ النُّجُومِ الثَّوَابِتِ، وَأَنَّ الْعَرْشَ هُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ الَّذِي وَصَفُوهُ بِالْأَطْلَسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ النُّجُومِ، وَتِلْكَ نَظَرِيَّاتٌ قَدْ ثَبَتَ بُطْلَانُهَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْفَلَكِ فِي هَذَا الْعَصْرِ فَسَقَطَ كُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا مِنْ تَكَلُّفٍ وَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إِلَى الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ لِرَدِّهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَكَلُّفِ حَمْلِ شَيْءٍ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى مَسَائِلِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي زَمَنِنَا، فَإِنَّ الْقُرْآنَ أَرْشَدَ الْبَشَرَ إِلَى الْعِلْمِ بِتَذْكِيرِهِمْ بِآيَاتِهِ فِي الْأَكْوَانِ وَتَرَكَ ذَلِكَ لِبَحْثِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ. وَهِدَايَةُ الدِّينِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِالْكَوْنِ وَسُنَنِهِ وَسِيلَةً لِتَقْوِيَةِ الْإِيمَانِ، وَتَكْمِيلِ فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ، وَلَوِ اهْتَدَى دُوَلُ الْإِفْرِنْجِ بِهِدَايَتِهِ هَذِهِ لَمَا جَعَلُوا الْعِلْمَ وَسِيلَةً لِلْقَتْلِ وَالتَّدْمِيرِ وَقَهْرِ الْقَوِيِّ بِهِ لِلضَّعِيفِ.
(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنْ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
بَعْدَ أَنَّ بَيَّنَ تَعَالَى لِأُمَّةِ الدَّعْوَةِ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَذَكَّرَهُمْ بِالْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ عَلَيْهَا أَمَرَهُمْ بِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا لَهَا مِنْ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَهُوَ إِفْرَادُهُ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ رُوحُهَا وَمُخُّهَا الدُّعَاءُ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute