وَالْإِحْسَانُ مَطْلُوبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِهَدْيِ دِينِ الْفِطْرَةِ، الدَّاعِي لِحَسَنَتَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَجَزَاءُ الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (٥٥: ٦٠) كَمَا أَنَّ الْإِسَاءَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَجَزَاءَهَا مِنْ جِنْسِهَا. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِي الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٥٣: ٣١) وَقَالَ الرَّسُولُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَالْإِحْسَانُ وَاجِبٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ حَتَّى فِي قِتَالِ الْأَعْدَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ مِنَ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَيُتَّقَى مَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابَ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشَدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فَدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) (٤٧: ٤) أَيْ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَعْدَاءَكُمُ الْكُفَّارَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَقَاتِلُوهُمْ بِضَرْبِ الرِّقَابِ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى الْقَتْلِ وَأَبْعَدُ عَنِ التَّعْذِيبِ بِمِثْلِ ضَرْبِ الرَّأْسِ مَثَلًا - وَنَاهِيكَ بِتَهْشِيمِ الرُّءُوسِ وَتَقْطِيعِ الْأَعْضَاءِ فِي عَهْدِ التَّنْزِيلِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَطِبَّاءُ جِرَاحَةٍ يُخَفِّفُونَ آلَامَهَا - حَتَّى إِذَا ظَهَرَ لَكُمُ الْغَلَبُ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْخَانِ فِيهِمْ فَاتْرُكُوا الْقَتْلَ وَاعْمَدُوا إِلَى الْأَسْرِ، ثُمَّ إِمَّا أَنْ تَمُنُّوا عَلَى الْأَسْرَى بِالْعِتْقِ مَنًّا، وَإِمَّا أَنْ تَفْدُوا بِهِمْ مَنْ أُسِرَ مِنْكُمْ فِدَاءً.
وَكَذَلِكَ الْإِحْسَانُ فِي الْحَيَوَانِ وَالرِّفْقُ بِهِ، وَمِنْهُ ذَبْحُ الْبَهَائِمِ لِلْأَكْلِ يَجِبُ أَنْ يَحْسُنَ فِيهَا بِقَدْرِ الطَّاقَةِ حَتَّى لَا يَتَعَذَّبَ الْحَيَوَانُ، وَلِهَذَا حَرَّمَ اللهُ الْمَوْقُوذَةَ وَهِيَ الَّتِي تُضْرَبُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ حَتَّى تَنْحَلَّ قُوَاهَا وَتَمُوتَ.
وَمِنَ الْعِبْرَةِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمَادِّيِّينَ مِنَ الْبَشَرِ يَعُدُّونَ الرَّحْمَةَ ضَعْفًا فِي النَّفْسِ تَجِبُ مُقَاوَمَتُهُ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّرْبِيَةِ، أَيْ بِإِفْسَادِ الْفِطْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي أَوْدَعَ فِيهَا الرَّبُّ الرَّحِيمُ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يَتَرَاحَمُ بِهَا خَلْقُهُ وَيَتَعَاطَفُونَ، وَقَاعِدَةُ التَّرْبِيَةِ الْمَادِّيَّةِ أَنَّ أُمُورَ الْحَيَاةِ كُلَّهَا تِجَارَةٌ يُقْصَدُ بِهَا الرِّبْحُ الْعَاجِلُ، فَإِذَا رَأَيْتَ امْرَأً أَوْ طِفْلًا أَوْ عَشِيرَةً أَوْ أَمَةً عُرْضَةً لِلْآلَامِ وَالْهَلَاكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ رِبْحٌ وَفَائِدَةٌ خَاصَّةٌ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُمْ فَلَا تُكَلِّفْ نَفْسَكَ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ لَكَ أَوْ لِقَوْمِكَ رِبْحٌ مِنْ ظُلْمِ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ أَوْ شَعْبٍ مِنَ الشُّعُوبِ وَإِشْقَائِهِ بِالِاسْتِعْبَادِ، وَإِفْسَادِ الْأَخْلَاقِ وَإِرْهَاقِ الْأَجْسَادِ، فَافْعَلْ ذَلِكَ وَتَوَسَّلْ إِلَيْهِ بِكُلِّ الْوَسَائِلِ الَّتِي يَدُلُّكَ عَلَيْهَا الْعِلْمُ وَتُمَكِّنُكَ مِنْهَا الْقُوَّةُ، بَلْ هُمْ يُرَبُّونَ
أَوْلَادَهُمْ عَلَى أَلَّا يَنَالُوا مِنْهُمْ شَيْئًا إِلَّا بِعَمَلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute