للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِذَلِكَ اشْتَبَهَتِ الْآيَاتُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ، وَمَا يَكُونُ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنَ التَّأْثِيرِ لِعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَقُوَّةِ الْإِرَادَةِ.

(هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلْبَيِّنَةِ، أَيْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ تَعَالَى - أَضَافَهَا إِلَى اسْمِهِ الْكَرِيمِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَلَقَهَا عَلَى خِلَافِ سُنَنِهِ فِي خَلْقِ الْإِبِلِ وَصِفَاتِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكٌ. وَالْمَعْنَى: أُشِيرُ إِلَيْهَا حَالَ كَوْنِهَا آيَةً لَكُمْ خَاصَّةً لَكُمْ. وَبَيَّنَ مَعْنَى كَوْنِهَا آيَةً بِقَوْلِهِ:

(فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وَمِثْلِهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ إِلَّا أَنَّهُ وَصَفَ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ فَهُوَ أَلِيمٌ وَعَظِيمٌ - وَفِي (هُودٍ) إِلَّا أَنَّهُ وَصَفَ الْعَذَابَ بِالْقَرِيبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ مَسِّهِمْ

إِيَّاهَا بِسُوءٍ وَكَذَلِكَ كَانَ. وَفِي سُورَةِ الْقَمَرِ: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) (٥٤: ٢٨) وَفَسَّرَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: (هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (٢٦: ١٥٥) وَهُوَ قَبْلَ الْوَعِيدِ عَلَى مَسِّهَا بِسُوءٍ. وَالشِّرْبُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُشْرَبُ. وَفِي سُورَةِ الشَّمْسِ: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) (٩١: ١١ - ١٤) إِلَخْ. فَدَلَّ مَجْمُوعُ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ آيَةَ اللهِ تَعَالَى فِي النَّاقَةِ أَلَّا يَتَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ بِسُوءٍ فِي نَفْسِهَا، وَلَا فِي أَكْلِهَا وَلَا فِي شُرْبِهَا، وَأَنَّ مَاءَ ثَمُودَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاقَةِ إِذَا كَانَ مَاءً قَلِيلًا، فَكَانُوا يَشْرَبُونَهُ يَوْمًا وَتَشْرَبُهُ هِيَ يَوْمًا وَوَرَدَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعِيضُونَ عَنْهُ فِي يَوْمِهَا بِلَبَنِهَا، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ، فَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنِ الْأَوَّلِ فَهِيَ تَصْدُقُ بِمَاءٍ مَعِينٍ مَعْرُوفٍ كَانَ لِشُرْبِهِمْ خَاصَّةً؛ إِذْ ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ مُعَرَّفًا وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي مَرْفُوعًا.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنِ الثَّانِي فَفِيهَا أَنَّ الْمَاءَ كَانَ لَهُمْ وَلِمَاشِيَتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ مَنْقُوضٌ بِمَا فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ مِنْ تَعَدُّدِ عُيُونِ الْمَاءِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ صَالِحٍ لَهُمْ: (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ) (٢٦: ١٤٦ - ١٤٨) وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ آبَارٌ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقَةُ حِينَ مَرُّوا بِدِيَارِ قَوْمِ صَالِحٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْهَا وَيَهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ غَيْرِهَا مِنْ تِلْكَ الْآبَارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَقَدْ عَلِمَهَا بِالْوَحْيِ. وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ يُحْتَجُّ بِهِ فِي خَلْقِ النَّاقَةِ مِنَ الصَّخْرَةِ أَوْ مِنْ هَضْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ.

وَالْمُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ إِضَافَةِ الْأَرْضِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُبَاحَةُ لِلْأَنْعَامِ أَنْ تَرْعَى مَا يَنْبُتُ فِيهَا مِنَ الْكَلَإِ وَغَيْرِهِ دُونَ مَا يَزْرَعُهُ النَّاسُ وَيَحْمُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَفِيهِ مُرَاعَاةُ النَّظِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>