فِي دَارِهِ فَمَخْرَقُوا عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ عَلَّقُوا قَلْبَهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْصِيلٍ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ؛ فَأَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ، وَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ حَضَرَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ تَحَرَّزَ الْمُعْتَضِدُ بِغَايَةِ مَا أَمْكَنَهُ، وَأَمَرَ بِالِاسْتِيثَاقِ مِنْ سُورِ الدَّارِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ حِيلَةٌ مِنْ تَسَلُّقٍ وَنَحْوِهِ، وَبُطِحَتْ فِي أَعْلَى السُّورِ خَرَابٌ لِئَلَّا يُحْتَالَ بِإِلْقَاءِ الْمَعَالِيقِ الَّتِي يَحْتَالُ بِهَا اللُّصُوصُ.
" ثُمَّ لَمْ يُوقَفْ لِذَلِكَ الشَّخْصِ عَلَى خَبَرٍ إِلَّا ظُهُورَهُ لَهُ الْوَقْتَ بَعْدَ الْوَقْتِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُعْتَضِدُ، وَهَذِهِ الْخَوَابِي الْمَبْطُوحَةُ عَلَى السُّورِ، وَقَدْ رَأَيْتُهَا عَلَى سُورِ الثُّرَيَّا الَّتِي بَنَاهَا الْمُعْتَضِدُ فَسَأَلْتُ صَدِيقًا لِي كَانَ قَدْ حَجَبَ لِلْمُقْتَدِرِ بِاللهِ عَنْ أَمْرِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَهَلْ تَبَيَّنَ أَمْرُهُ؟ فَذَكَرَ لِي أَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ عَلَى حَقِيقَةِ هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا فِي أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ كَانَ خَادِمًا أَبْيَضَ يُسَمَّى (يَقَقَ) وَكَانَ يَمِيلُ إِلَى بَعْضِ الْجَوَارِي اللَّاتِي فِي دَاخِلِ دُورِ الْحَرِيمِ، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ لِحًى عَلَى أَلْوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكَانَ إِذَا لَبِسَ بَعْضَ تِلْكَ اللِّحَى لَا يَشُكُّ مَنْ رَآهُ أَنَّهَا لِحْيَتُهُ، وَكَانَ يَلْبَسُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ لِحْيَةً مِنْهَا، وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَفِ يَدِهِ سَيْفٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ السِّلَاحِ حَيْثُ يَقَعُ نَظَرُ الْمُعْتَضِدُ، فَإِذَا طُلِبَ دَخَلَ بَيْنَ الشَّجَرِ الَّذِي فِي الْبُسْتَانِ أَوْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَمَرَّاتِ أَوِ الْعَطَفَاتِ، فَإِذَا غَابَ عَنْ أَبْصَارِ طَالِبِيهِ نَزَعَ اللِّحْيَةَ جَعَلَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ حُزَّتِهِ، وَيَبْقَى السِّلَاحُ مَعَهُ كَأَنَّهُ بَعْضُ الْخَدَمِ الطَّالِبِينَ لِلشَّخْصِ، وَلَا يَرْتَابُونَ بِهِ، وَيَسْأَلُونَهُ: هَلْ رَأَيْتَ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ أَحَدًا، فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهُ صَارَ إِلَيْهَا؟ فَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا، وَكَانَ إِذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الْفَزَعِ فِي الدَّارِ خَرَجَتِ الْجَوَارِي مِنْ دَاخِلِ الدُّورِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَيَرَى هُوَ تِلْكَ
الْجَارِيَةَ وَيُخَاطِبُهَا بِمَا يُرِيدُ، وَإِنَّمَا كَانَ غَرَضُهُ مُشَاهَدَةَ الْجَارِيَةِ وَكَلَامَهَا، لَمْ يَزَلْ هَذَا دَأْبَهُ إِلَى أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْبُلْدَانِ، وَصَارَ إِلَى طَرْطُوسَ، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ وَتَحَدَّثَتِ الْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَدِيثِهِ، وَوُقِفَ عَلَى احْتِيَالِهِ، فَهَذَا خَادِمٌ قَدِ احْتَالَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحِيلَةِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَهْتَدِ لَهَا أَحَدٌ مِنْ شِدَّةِ عِنَايَةِ الْمُعْتَضِدِ بِهَا، وَأَعْيَاهُ مَعْرِفَتُهَا وَالْوُقُوفُ عَلَيْهَا، وَلَمْ تَكُنْ صِنَاعَتُهُ الْحِيَلَ وَالْمَخَارِيقَ فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ قَدْ جَعَلَ هَذَا صِنَاعَةً وَمَعَاشًا؟
(وَضَرْبٌ آخَرُ مِنَ السِّحْرِ) وَهُوَ السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالْوِشَايَةِ بِهَا وَالْبَلَاغَاتِ وَالْإِفْسَادِ وَالتَّضْرِيبِ مِنْ وُجُوهٍ خَفِيَّةٍ لَطِيفَةٍ، وَذَلِكَ عَامٌّ شَائِعٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَرَادَتْ إِفْسَادَ مَا بَيْنَ زَوْجَيْنِ، فَسَارَتْ إِلَى الزَّوْجَةِ فَقَالَتْ لَهَا: إِنَّ زَوْجَكِ مُعْرِضٌ عَنْكِ وَقَدْ سُحِرَ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَنْكِ، وَسَأَسْحَرُهُ لَكِ حَتَّى لَا يُرِيدَ غَيْرَكِ، وَلَا يَنْظُرَ إِلَى سِوَاكِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَأْخُذِي مِنْ شَعْرِ حَلْقِهِ بِالْمُوسَى ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ إِذَا نَامَ وَتُعْطِينِيهَا فَإِنَّ بِهَا يَتِمُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute