فَإِذَا مَحَّصْنَا أَسْبَابَ الْخِلَافِ مِنْ جِهَةِ النُّصُوصِ وَحْدَهَا وَجَدْنَا لِكُلٍّ مِنَ النُّفَاةِ لِلرُّؤْيَةِ وَالْمُثْبِتِينَ لَهَا مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرًا عِنْدَ الْآخَرِ بِمَنْعِ جَرِيمَةِ التَّفَرُّقِ فِي الدِّينِ، وَجَعْلِ أَهْلِهِ أَحْزَابًا وَشِيَعًا مُتَعَادِيَةً غَيْرَ مُبَالِيَةٍ بِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي كَادَ يَجْعَلُهُ كَالْكُفْرِ مَا دَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْلَمُ أَنَّ الْآخَرَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا جَاءَ
بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الدِّينِ حَقٌّ، وَأَنَّ الْخِلَافَ مَحْصُورٌ فِي اخْتِلَافِ الْفَهْمِ.
وَمَا كَفَّرَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ بَعْضَ مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ وَغُلَاةِ التَّأْوِيلِ لِصِفَاتِ اللهِ - تَعَالَى - وَغَيْرِهَا مِنَ النُّصُوصِ إِلَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ زَنَادِقَةً لَبِسُوا لِبَاسَ الْإِسْلَامِ لِلْإِفْسَادِ، وَبَثِّ دَعْوَةِ الْإِلْحَادِ، وَالتَّجْرِئَةِ عَلَى رَدِّ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي تَلَقَّاهَا الصَّدْرُ الْأَوَّلُ بِالْقَبُولِ، أَوْ تَحْرِيفِهَا بِالتَّأْوِيلِ عَمَّا فَهِمُوهُ أَوْ عَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِالْعَمَلِ " إِذْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَبَأٍ وَبِشْرِ الْمِرِّيسِيِّ وَبَعْضِ الْمَجُوسِ، وَمِنْ سَلَائِلِهِمْ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ قَدْ بَثُّوا فِي الْمُسْلِمِينَ دَعْوَةَ الْكَفْرِ أَوِ الْبِدَعَ الدَّاعِيَةَ إِلَى النِّفَاقِ، أَوِ الْمُفْضِيَةَ إِلَى الشِّقَاقِ، فَالْإِمَامُ أَحْمَدُ كَفَّرَ مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ لِاعْتِقَادِهِ فِيمَا نَرَى أَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ زَنْدَقَةٍ، لَا لِأَنَّ هَذَا الْإِنْكَارَ نَفْسَهُ زَنْدَقَةٌ، بِحَيْثُ يَرْتَدُّ الْمُسْلِمُ الْمُؤْمِنُ بِالنُّصُوصِ كُلِّهَا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَعَمَلِهِ إِذَا فَهِمَ أَنَّ آيَاتِ نَفْيِ الرُّؤْيَةِ هُوَ الْأَصْلُ الْمُحَكَّمُ الَّذِي يُرَدُّ إِلَيْهِ مَا وَرَدَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي إِثْبَاتِهَا؛ إِذِ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَهُوَ التَّنْزِيهُ، دُونَ الْآخَرِ الْمُسْتَلْزِمِ عِنْدَهُ لِلتَّشْبِيهِ الْوَاجِبِ تَأْوِيلُهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوصِ لَا لِرَدِّ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَعْذُرُونَ الْمُتَأَوِّلَ وَكَذَا الْجَاحِدَ لِمَا لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُكَفِّرُونَهُ بِمُخَالَفَتِهِ لِلظَّوَاهِرِ، وَلَا يَعُدُّونَ الْبِدْعَةَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُسْقِطَةٌ لِلْعَدَالَةِ فِي الرِّوَايَةِ قَالُوا: إِلَّا إِذَا كَانَ صَاحِبُهَا دَاعِيَةً؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إِحْدَاثٌ لِفِتْنَةٍ وَتَفْرِيقٍ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ كَمَسْأَلَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ، فَمَا الْقَوْلُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى مَا أُثِرَ عَنِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ خِلَافُهُ كَالرُّؤْيَةِ؟ ثُمَّ مَا الْقَوْلُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى مُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَمُخَالَفَةِ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَدَعَاوَى الْبَاطِنِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ، وَمِثْلِهَا دَعْوَى الْمَسِيحِيَّةِ الْقَادَيَانِيَّةِ الْهِنْدِيَّةِ الَّتِي يُلَقَّبُ أَهْلُهَا بِالْأَحْمَدِيَّةِ، أَنَّ رَئِيسَ نِحْلَتِهِمْ (مِيرْزَا غُلَامُ أَحْمَدَ الْقَادَيَانِيِّ) هُوَ الْمَسِيحُ الْمُبَشَّرُ بِعَوْدَتِهِ إِلَى الدُّنْيَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ، وَنُسِخَتْ فَرْضِيَّةُ الْجِهَادِ عَلَى لِسَانِهِ، فَصَارَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لِلْأَجَانِبِ الْمُسْتَعْبِدِينَ لَهُمْ، السَّالِبِينَ لِاسْتِقْلَالِهِمُ الْمُبْطِلِينَ لِشَرِيعَتِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِشَعْبٍ إِسْلَامِيٍّ عِنْدَهُمْ أَنْ يُدَافِعَ بِالْقِتَالِ عَنْ مِلَّتِهِ وَوَطَنِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْقَادَيَانِيُّ هَذَا مِنْ أُصُولِ دِينِهِ خِدْمَةً لِلْإِنْكِلِيزِ، وَلَا يَزَالُ الْبَابُ مَفْتُوحًا عِنْدَ أَتْبَاعِهِ لِمِثْلِ هَذَا بِزَعْمِهِمْ أَنَّ وَحْيَ النُّبُوَّةِ مُتَّصِلٌ فِي خُلَفَائِهِ وَأَتْبَاعِهِ، فَالْقَوْلُ بِهَذَا خُرُوجٌ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute