الْجُنُودِ ٨ لِيَ الْفِضَّةُ وَلِيَ الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ٩ مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الْأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الْأَوَّلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ ١٠ وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلَامَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ".
أَقُولُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ: إِنَّ اسْمَ أَوْ لَقَبَ " مُشْتَهَى الْأُمَمِ " وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْعِبْرَانِيِّ عِنْدَ الْيَهُودِ " حَمَدُوتْ " وَمَعْنَاهُ: الَّذِي يُحْمَدُ فَهُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنَ الْحَمْدِ كَمَلَكُوتٍ مِنَ الْمَالِكِ. فَحَمْدُوتُ الْأُمَمِ هَذَا الَّذِي تَحْمَدُهُ الْأُمَمُ، وَهُوَ مَعْنَى مُحَمَّدٍ وَمَحْمُودٍ، فَالْأَوَّلُ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ حَمَّدَهُ بِالتَّشْدِيدِ إِذَا حَمِدَهُ كَثِيرًا، وَمَنْ تَحْمَدُهُ الْأُمَمُ يَكُونُ مَحْمُودًا حَمْدًا كَثِيرًا أَيْ مُحَمَّدًا. وَالثَّانِي اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ (حَمِدَ) الثُّلَاثِيِّ، وَمَحْمُودٌ مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
فَهَلْ بَعْدَ هَذَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَارَقَلِيطِ الْيُونَانِيِّ مُتَرْجَمًا مِنْ لَفْظٍ حَمَدُوتْ الْعِبْرَانِيِّ، وَنُسَخُ الْإِنْجِيلِ الْعِبْرَانِيَّةِ الَّتِي نَقَلَتْ أَلْفَاظَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامِ بِحُرُوفِهَا قَدْ فُقِدَتْ، وَلَا نَدْرِي سَبَبَ فَقْدِهَا؟ بَلْ نَحْنُ مُعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ نَتَّهِمُ مَجَامِعَ الْأَسَاقِفَةِ الَّتِي تَحَكَّمَتْ فِي الْأَنَاجِيلِ الْقَدِيمَةِ، فَعَدَّتْ بَعْضَهَا قَانُونِيًّا وَبَعْضَهَا غَيْرَ قَانُونِيٍّ، وَصَارُوا يُتْلِفُونَ مَا هُوَ غَيْرُ قَانُونِيٍّ. بَلْ نَحْنُ لَا نَعْتَدُّ بِتَنَصُّرِ الْقَيْصَرِ قُسْطَنْطِينَ الْأَوَّلِ وَلَا نَعْتَقِدُ إِخْلَاصَهُ فِيهِ، بَلْ نَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَلًا سِيَاسِيًّا مِنْهُ، وَإِنَّهُ اسْتَعَانَ بِالْمَجَامِعِ عَلَى تَحْوِيلِ النَّصْرَانِيَّةِ عَنْ صِرَاطِ التَّوْحِيدِ إِلَى وَثَنِيَّةِ الْقُدَمَاءِ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ
وَأَسَاتِذَتِهِمْ مِنْ قُدَمَاءَ الْمِصْرِيِّينَ، الَّذِينَ دَانُوا بِعَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ قَبْلَ الْمَسِيحِ بِأُلُوفٍ مِنَ السِّنِينَ، وَلَوْ بَقِيَتْ نُسَخُ تِلْكَ الْأَنَاجِيلِ لَكَانَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ الِاسْتِقْلَالِيِّ فِي الْغَرْبِ وَالشَّرْقِ مِنَ التَّحْقِيقِ فِيهَا مَا لَمْ يَكُنْ لِأُولَئِكَ الْأَسَاقِفَةِ الَّذِينَ قَبِلُوا مِنْهَا مَا وَافَقَ اعْتِقَادَهُمْ وَرَدُّوا مَا لَمْ يُوَافِقْهُ، كَأَنَّ عَقَائِدَهُمُ التَّقْلِيدِيَّةَ الْمُتَأَثِّرَةَ بِنَصْرَانِيَّةِ قُسْطَنْطِينَ السِّيَاسِيَّةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ قُرُونٍ خَلَتْ لِلْمَسِيحِ هِيَ الْأَصْلُ، وَالْأَنَاجِيلَ الْمَأْثُورَةَ هِيَ الْفَرْعُ، تُعْرَضُ عَلَى تِلْكَ التَّقَالِيدِ فَيُقْبَلُ مِنْهَا مَا وَافَقَهَا وَيُرَدُّ مَا خَالَفَهَا؟ .
وَهَا نَحْنُ أُولَاءِ نَرَى إِنْجِيلَ بِرْنَابَا أَرْقَى مِنْ هَذِهِ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي عُلُومِ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ، وَالْفَضَائِلِ فَإِنَ كَانَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ كَالدُّكْتُورِ خَلِيلِ سَعَادَة الَّذِي تَرْجَمَ لَنَا هَذَا الْإِنْجِيلَ يُعَلِّلُ هَذَا بِمُوَافَقَتِهِ لِفَلْسَفَةِ أَرِسْطُو الَّتِي كَانَتْ رَائِجَةً فِي قُرُونِ الْمَسِيحِيَّةِ الْأَوْلَى - فَإِنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ أُورُبَّةَ الْبَاحِثِينَ الْمُسْتَقِلِّينَ قَدْ طَعَنَ بِمِثْلِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى، وَفِي آدَابِ الْأَنَاجِيلِ الْأَرْبَعَةِ فَقَالُوا: إِنَّ التَّوْرَاةَ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ شَرَائِعِ الْمِصْرِيِّينَ الَّذِينَ نَشَأَ مُوسَى فِي حِجْرِ فِرْعَوْنِهِمْ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ شَرِيعَةِ حَمُورَابِي الَّتِي هِيَ أَصْلُ شَرَائِعِ الْبَابِلِيِّينَ، وَكَانَتْ كِتَابَةُ التَّوْرَاةِ الْحَاضِرَةِ بَعْدَ النَّبِيِّ الْبَابِلِيِّ، وَفِيهَا أُلُوفٌ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْبَابِلِيَّةِ - وَقَالُوا: إِنَّ الْآدَابَ الْمَسِيحِيَّةَ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ كُتُبِ الْيُونَانِ وَالرُّومَانِ فِي الْفَلْسَفَةِ الْعَمَلِيَّةِ الْأَخْلَاقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute