للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (سُورَةِ الرَّعْدِ ١٣: ٣٧) .

أَمَّا بَعْدُ، فَهَذِهِ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْبَابِ، تَجَاوَزْنَ جَمْعَ الْقِلَّةِ

إِلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ، وَعَدَوْنَ إِشَارَاتِ الْإِيجَازِ وَحُدُودَ الْمُسَاوَاةِ إِلَى بَاحَةِ الْإِطْنَابِ، يَنْطِقْنَ بِنُصُوصٍ صَرِيحَةٍ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَلَا تَقْبَلُ التَّبْدِيلَ وَلَا التَّحْوِيلَ، بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي جَعَلَهُ آخِرَ كُتُبِهِ، عَلَى خَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْحَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَصَّلَ آيَاتِهِ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَأَنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَزَلَ بِهِ عَلَى قَلْبِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وَأَنَّهُ ضَرَبَ فِيهِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ، حَالَ كَوْنِهِ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ، وَأَنَّهُ أَمَرَ خَاتَمَ رُسُلِهِ أَنْ يُنْذِرَ بِهِ (أُمَّ الْقُرَى) وَمَنْ حَوْلَهَا مِنْ جَمِيعِ الْوَرَى، وَأَنَّهُ عَلَى إِنْزَالِهِ إِيَّاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِلْإِنْذَارِ وَالذِّكْرَى، وَالْوَعِيدِ وَالْبُشْرَى، لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يَحْدُثُ لَهُمْ ذِكْرًا، أَنْزَلَهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا، وَأَمَرَ مَنْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ بِمَا أَرَاهُ اللهَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، الَّذِي جَعَلَهُ فِيهِ حَقًّا مَشَاعًا لَا هَوَادَةَ فِيهِ وَلَا مُحَابَاةَ لِقَرَابَةٍ وَلَا فَضْلٍ، فَقَالَ: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا اقْرَأِ الْآيَاتِ (مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ ٤: ٥ ١٠ - ١١٤) بِطُولِهَا، وَرَاجِعْ سَبَبَ نُزُولِهَا فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ هِدَايَةٌ دِينِيَّةٌ عَرَبِيَّةٌ، وَأَنَّهُ حُكُومَةٌ دِينِيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ عَرَبِيَّةٌ، عَرَبِيَّةُ اللِّسَانِ، عَامَّةً لِجَمِيعِ شُعُوبِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ.

وَصَلَوَاتُ اللهِ وَتَحِيَّاتُهُ الْمُبَارَكَةُ الطَّيِّبَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأَمِينِ، الَّذِي جَعَلَهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَفَضَّلَهُ عَلَى جَمِيعِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، بِإِكْمَالِ دِينِهِ بِلِسَانِهِ، وَعَلَى لِسَانِهِ وَإِرْسَالِهِ لِجَمِيعِ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ هِدَايَةَ رِسَالَتِهِ بَاقِيَةً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، بِقَوْلِهِ عَمَّتْ رَحْمَتُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (٢١: ١٠٧) وَقَوْلِهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (٢٥: ١) وَقَوْلِهِ تَعَالَى جَدُّهُ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤: ٢٨) وَقَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٣٣: ٤٠) وَقَوْلِهِ عَمَّ نَوَالُهُ فِيمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: الْيَوْمُ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (٥: ٣) .

وَقَدْ بَلَّغَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ رَبِّهِ كَمَا أُمِرَ، فَبَدَأَ بِأُمِّ الْقُرَى ثُمَّ بِمَا حَوْلَهَا مِنْ

جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَشُعُوبِ الْعَجَمِ، بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي قَضَى اللهُ أَنْ يُوَحِّدَ بِهِ أَلْسِنَةَ جَمِيعِ الْأُمَمِ، فَيَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً بِالْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْآدَابِ وَالشَّرْعِ وَاللُّغَةِ ; لِيَكُونُوا بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا

<<  <  ج: ص:  >  >>