لَهَا الْآثَارُ الْبَاقِيَةُ فِي أَحْوَالِ الْبَشَرِ. قَالَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ:
إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُذَكِّرَنَا بِأَرْبَعَةِ فُصُولٍ مِنْ كِتَابِ الْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ إِلَى يَوْمِ بِعْثَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَالتِّينُ إِشَارَةٌ إِلَى عَهْدِ الْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَسْتَظِلُّ فِي تِلْكَ الْجَنَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا يُورِقُ التِّينُ، وَعِنْدَمَا بَدَتْ لَهُ وَلِزَوْجِهِ سَوْآتُهُمَا طَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ التِّينِ. وَالزَّيْتُونُ إِشَارَةٌ إِلَى عَهْدِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذُرِّيَّتِهِ، وَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ فَسَدَ الْبَشَرُ، وَأَهْلَكَ اللهُ مَنْ أَهْلَكَ مِنْهُ بِالطُّوفَانِ، وَنَجَّى نُوحًا فِي سَفِينَتِهِ وَاسْتَقَرَّتِ السَّفِينَةُ، نَظَرَ نُوحٌ إِلَى مَا حَوْلَهُ فَرَأَى الْمِيَاهَ لَا تَزَالُ تُغَطِّي وَجْهَ الْأَرْضِ فَأَرْسَلَ بَعْضَ الطُّيُورِ لَعَلَّهُ يَأْتِي إِلَيْهِ بِخَبَرِ انْكِشَافِ الْمَاءِ عَنْ بَعْضِ الْأَرْضِ فَغَابَ وَلَمْ يَأْتِ بِخَبَرٍ، فَأَرْسَلَ طَيْرًا آخَرَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ يَحْمِلُ وَرَقَةً مِنْ شَجَرِ الزَّيْتُونِ فَاسْتَبْشَرَ وَسُرَّ وَعَرَفَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ قَدْ سَكَنَ، وَقَدْ أُذِنَ لِلْأَرْضِ أَنْ تُعَمَّرَ. ثُمَّ كَانَ مِنْهُ وَمِنْ أَوْلَادِهِ تَجْدِيدُ الْقَبَائِلِ الْبَشَرِيَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي مُحِيَ عُمْرَانُهَا بِالطُّوفَانِ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَنِ بِزَمَنِ الزَّيْتُونِ. وَالْإِقْسَامُ هُنَا بِالزَّيْتُونِ لِلتَّذْكِيرِ بِتِلْكَ الْحَادِثَةِ، وَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ مَا يُذَكَّرُ بِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَطُورُ سِينِينَ إِشَارَةٌ إِلَى عَهْدِ الشَّرِيعَةِ الْمُوسَوِيَّةِ، وَظُهُورِ نُورِ التَّوْحِيدِ فِي الْعَالَمِ بَعْدَ مَا تَدَنَّسَتْ جَوَانِبُ الْأَرْضِ بِالْوَثَنِيَّةِ، وَقَدِ اسْتَمَرَّ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ مُوسَى يَدْعُونَ قَوْمَهُمْ إِلَى التَّمَسُّكِ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ إِلَى أَنْ كَانَ آخِرُهُمْ عِيسَى ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جَاءَ مُخْلِصًا لِرُوحِهَا مِمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ مِنَ الْبِدَعِ، ثُمَّ طَالَ الْأَمَدُ عَلَى قَوْمِهِ فَأَصَابَهُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ، وَحَجْبِ نُورِهِ بِالْبِدَعِ، وَإِخْفَاءِ مَعْنَاهُ بِالتَّأْوِيلِ، وَإِحْدَاثِ مَا لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ، فَمَنَّ اللهُ عَلَى الْبَشَرِ بِبِدَايَةِ تَارِيخٍ يَنْسَخُ جَمِيعَ تِلْكَ التَّوَارِيخِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ أَطْوَارِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَبَيْنَ مَا يَلْحَقُ، وَهُوَ عَهْدُ ظُهُورِ النُّورِ الْمُحَمَّدِيِّ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِذِكْرِ الْبَلَدِ الْأَمِينِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي فَصَّلْنَا بَيَانَهُ يَتَنَاسَبُ الْقَسَمُ وَالْمُقْسَمُ عَلَيْهِ كَمَا سَتَرَى " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.
وَمِنْ هَذَا الشَّرْحِ تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ التُّرْكِيَّ عَلَى عِلْمٍ لَا يُشَارِكُهُ مُصْطَفَى كَمَال بَاشَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مُصِيبٌ فِي تَقْدِيرِ زَمَنِ الْجَوَابِ بِنِصْفِ سَاعَةٍ، كَمَا تَعْلَمُ أَنَّ التَّرْجَمَةَ التُّرْكِيَّةَ لَنْ تَكُونَ إِلَّا قَاصِرَةً عَنِ احْتِمَالٍ مِثْلِ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَأَنَّهَا تَمْهِيدٌ لِلْإِضْلَالِ وَالتَّكْفِيرِ.
سُبْحَانَ اللهِ! أَنَشُكُّ فِي كَوْنِ مُرَادِ مَلَاحِدَةِ التُّرْكِ بِتَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ التَّوَسُّلَ بِهَا
إِلَى الطَّعْنِ فِيهِ، وَالتَّشْكِيكَ فِي كَوْنِهِ كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِقَامَةَ الشُّبَهَاتِ عَلَى بُطْلَانِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَتَرْكَ الْمُسْلِمِ مِنْهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُ فِيهَا بَصِيصًا مِنَ النُّورِ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى الدِّفَاعِ عَنْ دِينِهِ؟ أَنَشُكُّ فِي هَذَا بَعْدَ إِقْدَامِهِمْ عَلَى إِبْطَالِ التَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ حُكُومَتِهِمْ حَتَّى فِي الْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ مِنْ زَوَاجٍ وَطَلَاقٍ وَإِرْثٍ، تَفْضِيلًا لِلتَّشْرِيعِ الْأُورُبِّيِّ عَلَيْهِ عَلَى اخْتِلَافِهِ، وَإِبْطَالِ التَّعْلِيمِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَاضْطِهَادِ عُلَمَاءِ الدِّينِ حَتَّى فِي مَلَابِسِهِمْ، فَقَدْ أَكْرَهُوهُمْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute