تَعَالَى فِي كَثِيرٍ مِنْهَا، وَلَمْ يَكُنْ يُصَدِّقُهُمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ غَيْرَ مَنْقُولٍ عَنْ كُتُبِهِمْ بِالْأَوْلَى، وَهَاكَ تَفْسِيرَ الْآيَاتِ بِمَدْلُولِ أَلْفَاظِهَا، وَلَا نَعْتَمِدُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِيهَا:.
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالسُّؤَالُ فِيهِ لِلتَّقْرِيرِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّقْرِيعِ، وَالْإِدْلَالِ بِعِلْمِ مَاضِيهِمْ. وَالْمَعْنَى: وَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ، رَاكِبَةً لِشَاطِئِهِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أَيِ اسْأَلْ عَنْ حَالِهِمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانُوا يَعْتَدُونَ فِي السَّبْتِ، وَيَتَجَاوَزُونَ حُكْمَ اللهِ بِالصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ فِيهِ إِذْ تَأْتِيهِمْ أَيْ سَمَكُهُمْ - وَلَا يَزَالُ أَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمَّوْنَ السَّمَكَةَ حُوتًا
كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً، وَأَهْلُ سُورِيَّةَ يَخُصُّونَ السَّمَكَةَ الْكَبِيرَةَ بِاسْمِ الْحُوتِ - وَقَدْ أُضِيفَتِ الْحِيتَانُ إِلَيْهِمْ لَمَّا كَانَ مِنِ ابْتِلَائِهِمْ بِهَا، وَاحْتِيَالِهِمْ عَلَى صَيْدِهَا، وَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ أَيْ تَعْظِيمِهِمْ لِلسَّبْتِ، فَهُوَ مُصْدَرُ سَبَتَتِ الْيَهُودُ تُسْبِتُ إِذَا عَظَّمَتِ السَّبْتَ بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِيهِ وَتَخْصِيصِهِ لِلْعِبَادَةِ (شُرَّعًا) أَيْ ظَاهِرَةً عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ ظَاهِرَةً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ - وَهِيَ جَمْعُ شَارِعٍ كَالرُّكَّعِ السُّجَّدِ جَمْعِ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، مِنْ شَرَعَ عَلَيْهِ إِذَا دَنَا وَأَشْرَفَ وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ أَيْ: وَلَا تَأْتِيهِمْ يَوْمَ لَا يُعَظِّمُونَ السَّبْتَ فِعْلًا وَتَرْكًا. قِيلَ: إِنَّهَا اعْتَادَتْ أَلَّا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لِصَيْدِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَمِنَتْ وَصَارَتْ تَظْهَرُ فِيهِ، وَتَخْفَى فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا يَسْبِتُونَ فِيهَا لَمَّا اعْتَادَتْ مِنِ اصْطِيَادِهَا فِيهَا، فَلَمَّا رَأَوْا ظُهُورَهَا وَكَثْرَتَهَا فِي يَوْمِ السَّبْتِ أَغْرَاهُمْ ذَلِكَ بِالِاحْتِيَالِ عَلَى صَيْدِهَا فَفَعَلُوا.
كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ أَيْ: مِثْلُ هَذَا الْبَلَاءِ بِظُهُورِ السَّمَكِ لَهُمْ نَبْلُوهُمْ أَيْ نَخْتَبِرُهُمْ أَوْ نُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ لِحَالِ مَنْ يُرِيدُ إِظْهَارَ كُنْهِ حَالِهِ لِيَتَرَتَّبَ الْجَزَاءُ عَلَى عَمَلِهِ بِسَبَبِ فِسْقِهِمُ الْمُسْتَمِرِّ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَاعْتِدَائِهِمْ حُدُودَ شَرْعِهِ.
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا أَيْ: وَاسْأَلْهُمْ عَنْ حَالِ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَتْ أُمَّةٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كَيْتَ وَكَيْتَ تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ بَعْضُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لَا كُلُّهُمْ، وَأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ، فِرْقَةُ الْعَادِينَ الَّتِي أُشِيرُ إِلَيْهَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَفِرْقَةُ الْوَاعِظِينَ الَّذِينَ نَهَوُا الْعَادِينَ عَنِ الْعُدْوَانِ وَوَعَظُوهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُ، وَهِيَ الَّتِي أُشِيرُ إِلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِرْقَةُ اللَّائِمِينَ لِلْوَاعِظِينَ الَّتِي قَالَتْ لَهُمْ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا قَضَى الله عَلَيْهِمْ بِالْهَلَكَةِ أَوِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، فَهُوَ إِمَّا مُهْلِكُهُمْ بِالِاسْتِئْصَالِ أَوْ بِعَذَابٍ شَدِيدٍ دُونَ الِاسْتِئْصَالِ، أَوِ الْمَعْنَى مُهْلِكُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَمُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ - وَأَيًّا مَا كَانَ الْمُرَادُ فِي (أَوْ) هُنَا هِيَ الْمَانِعَةُ لِلْخُلُوِّ مِنْ وُقُوعِ أَحَدِ الْجَزَاءَيْنِ، لَا الْمَانِعَةُ لِجَمْعِهِمَا، فَهِيَ لَا تَنْفِي اجْتِمَاعَهُمَا. وَفِي الْآيَةِ مِنَ الْإِيجَازِ الْبَلِيغِ مَا لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ.
قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَيْ: قَالَ الْوَاعِظُونَ لِلَائِمِينَ: نَعِظُهُمْ وَعْظَ عُذْرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute