للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْقُرْآنِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى الِاتِّفَاقِ إِلَّا بِالتَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: وَأَنَا أَقُولُ " وَنَحْنُ إِلَى مَا رُوِيَ فِي الْآيَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَمِيلُ، وَلَهُ أَقْبَلُ وَبِهِ آنَسُ، وَاللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ لِمَا هُوَ أَوْلَى وَأَهْدَى

عَلَى أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ قَدْ ذَكَرَ فِي الرَّدِّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ مَعْنًى يُحْتَمَلُ وَيُسَوَّغُ فِي النَّظْمِ الْجَارِي، وَمَجَازِ الْعَرَبِيَّةِ بِسُهُولَةٍ، وَإِمْكَانٍ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ وَلَا اسْتِكْرَاهٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا كَانَ مِنْهُ فِي أَخْذِ الْعَهْدِ عَلَيْهِمْ وَ " إِذْ " يَقْتَضِي جَوَابًا يَجْعَلُ جَوَابَهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: قَالُوا بَلَى وَانْقَطَعَ هَذَا الْخَبَرُ بِتَمَامِ قِصَّتِهِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ عَزَّ وَجَلَّ خَبَرًا آخَرَ بِذِكْرِ مَا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: " شَهِدْنَا " يَعْنِي نَشْهَدُ. قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ ... أَنَّ الْوَلِيدَ أَحَقُّ بِالْعُذْرِ

بِمَعْنَى يَشْهَدُ الْحُطَيْئَةُ. يَقُولُ تَعَالَى نَشْهَدُ إِنَّكُمْ سَتَقُولُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَيْ: عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْمُنَاقَشَةِ وَالْمُؤَاخَذَةِ بِالْكُفْرِ، ثُمَّ أَضَافَ إِلَيْهِ خَبَرًا آخَرَ فَقَالَ: أَوْ تَقُولُوا بِمَعْنَى: وَأَنْ تَقُولُوا، لِأَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى وَاوِ النَّسَقِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٧٦: ٢٤) فَتَأْوِيلُهُ وَنَشْهَدُ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَيْ إِنَّهُمْ: أَشْرَكُوا وَحَمَلُونَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي الشِّرْكِ فِي صِبَانَا، فَجَرَيْنَا عَلَى مَذَاهِبِهِمْ، وَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ فَلَا ذَنْبَ لَنَا إِذْ كُنَّا مُقْتَدِينَ بِهِمْ، وَالذَّنْبُ فِي ذَلِكَ لَهُمْ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٤٣: ٢٣) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ أَيْ حَمْلُهُمْ إِيَّانَا عَلَى الشِّرْكِ، فَتَكُونُ الْقِصَّةُ الْأَوْلَى خَبَرًا عَنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ بِأَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ، وَالْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ خَبَرًا عَمَّا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الِاعْتِذَارِ، وَقَالَ فِيمَا ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ: إِنَّهُ تَفَاوَتَ فِيمَا بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْخَبَرِ، لِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِمَا فِيهِمَا، قَوْلًا يَجِبُ قَبُولُهُ بِالنَّظَائِرِ وَالْعِبَرِ الَّتِي تُؤَيِّدُ بِهَا مُخَالَفَتَهُ فَقَالَ: إِنَّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّ اللهَ مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ أَفَادَ زِيَادَةَ خَبَرِ كَانَ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ بَعْضَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ كُلَّهَا، وَلَوْ أَخْبَرَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِسِوَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا، فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي أُخِذَ فِيهِ الْعَهْدُ مِمَّا لَمْ يُضَمِّنْهُ اللهُ كِتَابَهُ، لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَلَا تَفَاوُتَ، بَلْ كَانَ زِيَادَةً فِي الْفَائِدَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظُ إِذَا اخْتَلَفَتْ فِي ذَاتِهَا، وَكَانَ مَرْجِعُهَا إِلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَنَاقُضًا، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ فِي خَلْقِ آدَمَ فَذَكَرَ مَرَّةً

أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، وَمَرَّةً أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ، وَمَرَّةً مِنْ طِينٍ لَازِبٍ، وَمَرَّةً مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُخْتَلِفَةٌ، وَمَعَانِيهَا أَيْضًا فِي الْأَحْوَالِ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّلْصَالَ غَيْرُ الْحَمْأَةِ، وَالْحَمْأَةُ غَيْرُ التُّرَابِ إِلَّا أَنَّ مَرْجِعَهَا كُلَّهَا فِي الْأَصْلِ إِلَى جَوْهَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التُّرَابُ، وَمِنَ التُّرَابِ تَدَرَّجَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ. فَقَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>