الْمُتَعَالِي، النُّورُ الْهَادِي، الْغَفُورُ الشَّكُورُ، الْعَفُوُّ الرَّؤُوفُ، الْأَكْرَمُ الْأَعْلَى، الْبَرُّ الْحَفِيُّ، الرَّبُّ الْإِلَهُ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ".
ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَدَدِ، هَلِ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فِي هَذِهِ؟ أَوْ أَنَّهَا مِنْ ذَلِكَ؟ ، وَلَكِنِ اخْتُصَّتْ هَذِهِ; لِأَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الثَّانِي، وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حَصْرُ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ غَيْرُ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَالْمُرَادُ الْإخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارُ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ: " أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ "، وَعِنْدَ مَالِكٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي دُعَاءٍ " وَأَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ
الْحُسْنَى مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ " وَأَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا دَعَتْ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصَةِ بِهَذَا الْعَدَدِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ مَا عَدَاهَا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا التَّخْصِيصُ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ الْأَسْمَاءِ وَأَبْيَنَهَا مَعَانِيَ. وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ قَوْلُهُ: " مَنْ أَحْصَاهَا " لَا قَوْلُهُ: " لِلَّهِ " وَهُوَ كَقَوْلِكَ: لِزَيْدٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَعُدُّهَا لِلصَّدَقَةِ، وَلِعَمْرٍو مِائَةُ ثَوْبٍ مَنْ زَارَهُ أَلْبَسُهُ إِيَّاهَا ". وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُبْهَمِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا هَذِهِ الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ أَنَّ أَكْثَرَهَا صِفَاتٌ، وَصِفَاتُ اللهِ لَا تَتَنَاهَى، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ الدُّعَاءُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ ; لِأَنَّ الْحَدِيثَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (٧: ١٨٠) فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَيُدْعَى بِهَا، وَلَا يُدْعَى بِغَيْرِهَا، حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي أَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ الدُّعَاءُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ: " أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ " وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: لَمَّا كَانَتِ الْأَسْمَاءُ مِنَ الصِّفَاتِ، وَهِيَ إِمَّا ثُبُوتِيَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ كَالْحَيِّ، أَوْ إِضَافِيَّةٌ كَالْعَظِيمِ، وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ كَالْقُدُّوسِ، وَإِمَّا مِنْ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ كَالْقَدِيرِ، أَوْ مِنْ سَلْبِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ كَالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَإِمَّا مِنْ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ كَالْمَلِكِ، وَالسُّلُوبُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ ; لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِلَا نِهَايَةٍ قَادِرٌ عَلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute