للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صِفَاتِ اللهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَشَابِهَاتِ مِنْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ

خَطَرِ مُخَالَفَةِ مُرَادِهِ تَعَالَى، وَقَالَ: إِنَّ بَعْضَهَا لَا مُرَادِفَ لَهُ فِي غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلِبَعْضِهَا مُرَادِفٌ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ كَالْيَدِ، فَهِيَ تُطْلَقُ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْجَارِحَةِ مِنْ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ، وَلَهَا عِدَّةُ مَعَانٍ مَجَازِيَّةٌ كَالنِّعْمَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ مَثَلًا، وَقَدْ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ قَدْ تَخْتَلِفُ مَعَانِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (٤٨: ١٠) بِيَدِهِ الْمُلْكُ (٦٧: ١) بِيَدِكَ الْخَيْرُ (٣: ٢٦) لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (٣٨: ٧٥) بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (٥: ٦٤) فَلَا يُمْكِنُ وَضْعُ كَلِمَةِ تَرْجَمَةِ يَدٍ بِالْفَارِسِيَّةِ لِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا. انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَقَدْ أَوْرَدْتُ لَفْظَةً فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ.

ثُمَّ إِنَّ الْآلُوسِيُّ نَقَلَ مُوَافَقَةَ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ بِالْقِيَاسِ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْعَمَلِيَّاتِ دُونَ الْعِلْمِيَّاتِ، وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ مِنْهَا (قَالَ) : وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ التَّوَقُّفَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ احْتَجَّ لَهُ بِإِبَاحَةِ الصِّدْقِ وَاسْتِحْبَابِهِ، وَالصِّفَةُ لِتَضَمُّنِهَا النِّسْبَةَ الْخَبَرِيَّةَ رَاجِعَةٌ إِلَيْهِ، وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ إِلَّا عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا، بِخِلَافِ الِاسْمِ فَإِنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ الْخَبَرِيَّةَ، وَإِنَّهُ لَيْسَ إِلَّا لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ مَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمَا. (قَالَ الْآلُوسِيُّ) وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى تِلْكَ النِّسْبَةِ - وَالْخَطَرٌ قَائِمٌ - وَأَيْنَ التُّرَابُ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ؟ اهـ.

وَأَقُولُ: مِثَالُ مَا ذَكَرُوهُ، وَصْفُهُ تَعَالَى بِالْعَقْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْكَمَالُ فِي غَرَائِزِ الْبَشَرِ، وَلَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، وَيَدُلُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَيْضًا أَنَّ مَعْنَى الْعَقْلِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مَادَّتُهُ، وَهِيَ عَقْلُ الْبَعِيرِ، أَيْ رَبْطُ ذِرَاعِهِ وَوَظِيفِهِ وَشَدِّهِمَا بِالْعِقَالِ (وَهُوَ بِالْكَسْرِ الْحَبَلُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ) لِمَنْعِهِ مِنَ الْمَشْيِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَقْلَ الْإِنْسَانِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعْقِلَهُ أَيْ يَمْنَعَهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَلِيقُ بِالْبَارِئِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَقَاعِدَةُ الْغَزَالِيِّ فِي الصِّفَاتِ تَقْتَضِي تَحْكِيمَ رَأْيِ كُلِّ أَحَدٍ فِي وَصْفِ خَالِقِهِ بِمَا يَرَاهُ هُوَ حُسْنًا أَوْ كَمَالًا، وَقَدْ يَكُونُ فِي رَأْيِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُمْ أَعْلَمُ مِنْهُ غَيْرَ حُسْنٍ وَلَا كَمَالٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَقْلًا لَا نَقْلًا فَالْحَقُّ أَلَّا يُطْلِقَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّفَاتِ إِلَّا مَا أَذِنَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(٣) تَرْكُ تَسْمِيَتِهِ بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصْفِهِ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ، وَمِثْلُهُ إِسْنَادُ مَا أَسْنَدَهُ

تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى، أَوْ أَنَّهُ يُوهِمُ نَقْصًا فِي حَقِّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدِينَ أَعْلَمُ مِنْهُ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ وَجَلَّتْ صِفَاتُهُ، وَأَعْلَمُ مِنْ رَسُولِهِ صَلَوَاتُهُ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَا لَا يَلِيقُ، وَبِمَا يُوهِمُ نَقْصَ التَّشْبِيهِ أَوْ غَيْرَ التَّشْبِيهِ، كَامْتِنَاعِ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ مِنْ ذِكْرَ بَعْضِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي زَعَمُوا وُجُوبَ تَأْوِيلِهَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>