للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ تَزِيدُ عَلَى أَلْفِ سَنَةٍ، وَلَا تَبْلُغُ الزِّيَادَةُ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَخْبَارٍ وَآثَارٍ ذَكَرَهَا فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ (بِالْكَشْفِ عَنْ مُجَاوَزَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَلْفَ) وَسَمَّى بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ هَذِهِ الْأَلْفَ الثَّانِيَةِ بِالْمُخَضْرَمَةِ; لِأَنَّ نِصْفَهَا دُنْيَا، وَنِصْفَهَا الْآخَرَ أُخْرَى، وَإِذَا لَمْ يَظْهَرِ الْمَهْدِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا يَنْهَدِمُ جَمِيعُ مَا بَنَاهُ فِيهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَأَنِّي بِكَ تَرَاهُ مُنْهَدِمًا " اهـ.

أَقُولُ: نَقَلْتُ هَذَا; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَرْجِعُونَ إِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَحْثِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْرِفَ رَأْيَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَضَتِ الْمِائَةُ الَّتِي كَانَ فِيهَا مُؤَلَّفُهُ بِرَأْسِهَا وَذَنَبِهَا وَهِيَ الْمِائَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ مَضَى زُهَاءَ نِصْفِ الْمِائَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، إِذْ نَكْتُبُ هَذَا الْبَحْثَ فِي سَنَةِ ١٣٤٥ وَلَمْ يَظْهَرِ الْمَهْدِيُّ، فَانْهَدَمَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مَا بَنَاهُ السُّيُوطِيُّ عَفَا اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنَ الْأَوْهَامِ الَّتِي جَمَعَهَا كَحَاطِبِ لَيْلٍ، وَنَحْنُ نُورِدُ هُنَا مَا كَتَبَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ لِحَدِيثِ " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " مِنْ شَرْحِهِ لِلْبُخَارِيِّ، ثُمَّ نُقَفِّي عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ.

بَدَأَ الْحَافِظُ شَرْحَهُ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ بِأَقْوَالِ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالْإِصْبَعَيْنِ، هَلِ الْمُرَادُ بِهِ قُرْبُ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى؟ أَمِ التَّفَاوُتُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي الطُّولِ؟ وَمَا الْمُرَادُ بِهِ؟ وَالْأَرْجَحُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ آخَرُ فَهِيَ تَلِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (٣١: ٣٤) وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ عِلْمَ قُرْبِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ وَقْتِ مَجِيئِهَا مُعَيَّنًا، وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقِيَامَةِ شَيْءٌ، هِيَ الَّتِي تَلِينِي كَمَا تَلِي السَّبَّابَةُ الْوُسْطَى؟ . وَعَلَى هَذَا فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ السَّاعَةِ: لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ اهـ.

وَأَقُولُ: إِنَّ جُمْلَةَ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ قَدْ وَرَدَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ (٦: ٥٩) لَا فِي السَّاعَةِ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ تَفْسِيرُ

مَفَاتِحِ الْغَيْبِ بِآيَةِ آخِرِ سُورَةِ لُقْمَانَ: إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ (٣١: ٣٤) إِلَخْ. فَعِبَارَتُهُ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى لَا اللَّفْظِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ وَأَثَابَهُ: " وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: حَاوَلَ بَعْضُهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ أَنَّ نِسْبَةَ مَا بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى، وَأَنَّ جُمْلَتَهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ، وَاسْتَنَدَ إِلَى أَخْبَارٍ لَا تَصِحُّ، وَذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي تَأْخِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ، وَفَسَّرَهُ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي بَقِيَ نِصْفُ سُبُعٍ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الطُّولِ. (قَالَ) :

<<  <  ج: ص:  >  >>