للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي الْأَحَادِيثِ أَشْرَاطٌ وَأَمَارَاتٌ أُخْرَى بَعْضُهَا صَارَ عَادِيًّا، وَبَعْضُهَا غَرِيبًا، وَيَقُولُ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ مِنْهُ مَا وَقَعَ، وَبَاقِيهِ يُتَوَقَّعُ، وَفِيهَا تَعَارُضٌ وَتَنَاقُضٌ وَمُشْكِلَاتٌ حَارَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهَا، وَإِنَّنِي أَتَكَلَّمُ عَنْهُ كَلَامًا إِجْمَالِيًّا عَامًّا، وَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي أَهَمِّهَا بَسْطًا خَاصًّا، وَلَا سِيَّمَا أَحَادِيثُ الدَّجَّالِ وَالْمَهْدِيِّ، فَأَلْقِ لَهُ السَّمْعَ وَوَجِّهْ إِلَيْهِ النَّظَرَ، فَهُوَ يُجْلِي الْعِبْرَةَ لِمَنِ اعْتَبَرَ.

(نَظْرَةٌ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَتَقَاسِيمِهَا وَمُشْكِلَاتِهَا)

اعْلَمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ دِينِهِ، أَنَّ فِي رِوَايَاتِ الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ وَالتَّعَارُضِ مَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْرِفَهُ وَلَوْ إِجْمَالًا، حَتَّى لَا تَكُونَ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَظُنُّونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْتَمِدُهُ أَصْحَابُ النَّقْلِ حَقٌّ، وَلَا لِمَنْ يَظُنُّونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ النَّظَرِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ حَقٌّ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (٣٩: ١٧، ١٨) الْآيَةَ. وَقَالَ لِخَاتَمِ رُسُلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (١٢: ١٠٨) وَإِنَّنِي أُبَيِّنُ فِيهِ مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ قَلْبُ الْقَانِعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيَفْتَحُ بَابَ التَّحْقِيقِ لِطَالِبِ التَّفْصِيلِ، فَأَقُولُ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ جَعَلُوا مَا رُوِيَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتِهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مَا وَقَعَ بِالْفِعْلِ مُنْذُ قُرُونٍ خَلَتْ إِلَى زَمَنِ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَقَدْ عَدُّوهُ عَدًّا - وَمَا وَقَعَ بَعْضُهُ وَهُوَ لَا يَزَالُ فِي ازْدِيَادٍ كَالْفِتَنِ وَالْفُسُوقِ وَكَثْرَةِ الزِّنَا وَكَثْرَةِ الدَّجَّالِينَ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَتَشَبُّهِهِنَ بِالرِّجَالِ وَالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ حَتَّى فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَمَا سَيَقَعُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مِنَ الْعَلَامَاتِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى - وَمِنَ الْأُولَى قِتَالُ الْيَهُودِ وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.

وَتَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إِلَى مَا عُهِدَ وَيُعْهَدُ مِثْلُهُ فِي كُلِّ الْأُمَمِ مِنَ الْفِتَنِ وَالْقِتَالِ وَسِعَةِ الدُّنْيَا وَضِيقِهَا، وَقِيَامِ الدُّوَلِ وَسُقُوطِهَا، وَالْفِسْقِ مِنْ زِنًا وَلِوَاطٍ وَسُكْرٍ، إِلَخْ. وَالْأَوْبِئَةِ وَالزَّلَازِلِ وَهَذَا لَا يَشْعُرُ جَمَاهِيرُ النَّاسِ بِأَنَّ لَهُ عَلَاقَةً مَا بِقِيَامِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى، وَإِلَى مَا هُوَ غَرِيبٌ غَيْرُ مَأْلُوفٍ كَظُهُورِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالدَّجَّالِ وَالْمَهْدِيِّ وَالْمَسِيحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمَّا الزَّلَازِلُ وَالْخُسُوفُ وَظُهُورُ النُّجُومِ ذَوَاتُ الْأَذْنَابِ أَوِ الْأَذْيَالِ، فَقَدْ صَارَتْ مِنَ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ النَّاسِ.

وَبِاعْتِبَارٍ ثَالِثٍ إِلَى مَا هُوَ عَلَامَةٌ عَلَى قِيَامِ سَاعَةِ الْجِيلِ أَوِ الدَّوْلَةِ، كَذِهَابِ الْأَمَانَةِ وَتَوْسِيدِ الْأَمْرِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَمَا هُوَ آيَةٌ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ الْعَامَّةِ الْكُبْرَى.

وَيَرِدُ مِنَ الْإِشْكَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَشْرَاطِ الصُّغْرَى الْمُعْتَادِ مِثْلُهَا، الَّتِي تَقَعُ عَادَةً بِالتَّدْرِيجِ لَا يُذَكِّرُ بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْفَائِدَةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا

أَخْبَرَ الشَّارِعُ بِقُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ - وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَشْرَاطِ الْكُبْرَى الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ يَضَعُ الْعَالِمَ بِهِ فِي مَأْمَنٍ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ قَبْلَ وُقُوعِهَا كُلِّهَا، فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ حُصُولِ تِلْكَ الْفَائِدَةِ، فَالْمُسْلِمُونَ الْمُنْتَظِرُونَ لَهَا يَعْلَمُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>