للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وُجُوهٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَصْنُوعٌ، وَأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَيْسَ لَهُ كُلُّهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ الْمُشْكِلَةِ الَّتِي انْتَقَدَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مِنْ جِهَةِ صِنَاعَةِ عِلْمِ أُصُولِ الْحَدِيثِ وَتَعَارُضِ الْمُتُونِ أَوْ مُخَالَفَتِهَا لِلْوَاقِعِ. وَعَدَّ مِنْ عِلَلِ بَعْضِهَا احْتِمَالَ كَوْنِهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، فَقَدْ ذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ طَرِيقِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَشُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ قَالُوا جَمِيعًا: " الدَّجَّالُ لَيْسَ هُوَ بِإِنْسَانٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ مُوثَّقٌ بِسَبْعِينَ حَلْقَةً فِي بَعْضِ جَزَائِرِ الْيَمَنِ لَا يُعْلَمُ مَنْ أَوْثَقَهُ سُلَيْمَانُ النَّبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ؟ فَإِذَا آنَ ظُهُورُهُ فَكَ اللهُ عَنْهُ كُلَّ عَامٍ حَلْقَةً، فَإِذَا بَرَزَ أَتَتْهُ أَتَانٌ، عَرْضُ مَا بَيْنَ أُذُنَيْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا فَيَضَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْبَرًا مِنْ نُحَاسٍ، وَيَقْعُدُ عَلَيْهِ وَيَتْبَعُهُ قَبَائِلُ الْجِنِّ يُخْرِجُونَ لَهُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ ".

قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ إِيرَادِ هَذَا: (قُلْتُ) وَلَا يُمْكِنُ مَعَهُ كَوْنُ ابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ، وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ مَعَ كَوْنِهِمْ ثِقَاتٍ تَلَقُّوا ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَأَخْرَجَ نُعَيْمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ الدَّجَّالَ تَلِدُهُ أُمُّهُ بِقُوصٍ مِنْ أَرْضِ

مِصْرَ. (قَالَ) وَبَيْنَ مَوْلِدِهِ وَمَخْرَجِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً. (قَالَ) وَلَمْ يَنْزِلْ خَبَرُهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ اهـ، وَأَخْلَقُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ، وَكَوْنُهُ يُولَدُ قَبْلَ مَخْرَجِهِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُخَالِفٌ لِكَوْنِهِ ابْنَ صَيَّادٍ، وَلِكَوْنِهِ مُوثَقًا فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْحَافِظِ. وَهُوَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاعْتِصَامِ مِنَ الْفَتْحِ.

وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْحَافِظَ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ ضَرْبِ بَعْضِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُضْطَرِبَةِ الْمُتَعَارِضَةِ الْمُتَنَافِرَةِ بِبَعْضٍ، وَبِأَنَّهُ يَعُدُّ احْتِمَالَ الْأَخْذِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عِلَّةً صَحِيحَةً لِرَدِّ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ، وَلَوْ فِيمَا لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ وَلَا لِلرَّأْي فِيهِ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الزُّرْقَانِيُّ بِهِ وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ أَنْصَارِ الْخُرَافَاتِ فَعَدُّوهُ مِمَّا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ.

وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ يَدَ بَطَلِ هَذِهِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْأَكْبَرِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَدْ لَعِبَتْ لَعِبَهَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّجَّالِ (فِي كُلِّ وَادٍ أَثَرٌ مِنْ ثَعْلَبَةَ) وَقَوْلُ كَعْبٍ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وِلَادَةِ الدَّجَّالِ بِقُوصٍ فِي كُتُبِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ.

وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ أُخْرَى عَنْهُ مِنْهَا مَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْفِتَنِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ فِي كِتَابَةِ الْمَذْكُورِ عَنْهُ قَالَ (أَيْ كَعْبٌ) : يَتَوَجَّهُ الدَّجَّالُ فَيَنْزِلُ عِنْدَ بَابِ دِمَشْقَ الشَّرْقِيِّ، ثُمَّ يُلْتَمَسُ فَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُرَى عِنْدَ الْمِيَاهِ الَّتِي عِنْدَ نَهْرِ الْكُسْوَةِ ثُمَّ يُطْلَبُ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ تَوَجَّهَ، ثُمَّ يَظْهَرُ بِالْمَشْرِقِ فَيُعْطَى الْخِلَافَةَ، ثُمَّ يُظْهِرُ السِّحْرَ، ثُمَّ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ فَتَتَفَرَّقُ النَّاسُ عَنْهُ، فَيَأْتِي النَّهْرَ فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَسِيلَ فَيَسِيلُ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَرْجِعَ فَيَرْجِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>