الزَّمَانِ، بِهِ يَنْشُرُ اللهُ الْهُدَى وَيُطْفِئُ نِيرَانَ الضَّلَالَةِ، إِنَّ اللهَ فَتَحَ بِنَا هَذَا الْأَمْرَ وَبِذُرِّيَّتِكَ يُخْتَمُ " وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا " اللهُمَّ انْصُرِ الْعَبَّاسَ وَوَلَدَ الْعَبَّاسِ (ثَلَاثًا) يَا عَمُّ أَمْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ مِنْ وَلَدِكَ مُوَفَّقًا مَرْضِيًا " قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَفِي مَعْنَاهُمَا أَحَادِيثُ أُخْرَى لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَلِيٍّ، وَفِي حَدِيثِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَهْدِيِّ ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ.
وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ بِحَدِيثِ الرَّايَاتِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ خَلْدُونَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ مِنْ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ إِلَخْ. وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ مِنْ شِيعَةِ الْكُوفَةِ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَقَالَ شُعْبَةُ فِيهِ: كَانَ رَفَّاعًا، أَيْ يَرْفَعُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَحَادِيثَ الَّتِي لَا تُعْرَفُ مَرْفُوعَةً، وَصَرَّحُوا بِضَعْفِ حَدِيثِهِ هَذَا. وَهُنَالِكَ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي نِسْبَةِ الْمَهْدِيِّ إِلَى الْعَبَّاسِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ وَالْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ رِوَايَاتٌ فِي التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْمَهْدِيَّ الْمُنْتَظَرَ هُوَ الْعَبَّاسِيُّ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ السَّفَّاحَ وَالْمَنْصُورَ. وَأَهْلُ الرِّوَايَةِ يَتَكَلَّفُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَمَا يُعَارِضُهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مِنَ الْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِيهِ وِلَادَةٌ بَعْضُهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَبَعْضُهَا جِهَةِ الْأُمِّ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُخْتَصَرِ، وَتَبِعَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنَّ أَلْفَاظَ الْأَحَادِيثِ لَا تَتَّفِقُ مَعَ هَذَا الْجَمْعِ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي أُمِّ الْمَهْدِيِّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى كَثْرَتِهَا.
وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ الشِّيعَةَ كَانُوا يَسْعَوْنَ لِجَعْلِ الْخِلَافَةِ فِي آلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَيَضَعُونَ الْأَحَادِيثَ تَمْهِيدًا لِذَلِكَ فَفَطِنَ لِهَذَا الْأَمْرِ الْعَبَّاسِيُّونَ فَاسْتَمَالُوا بَعْضَهُمْ، وَرَأَى أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ وَعَصَبِيَّتُهُ أَنَّ آلَ عَلِيٍّ يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الزُّهْدُ، وَأَنَّ بَنِي الْعَبَّاسِ كَبَنِي أُمَيَّةَ فِي الطَّمَعِ فِي الْمُلْكِ فَعَمِلَ لَهُمْ تَوَسُّلًا بِهِمْ إِلَى تَحْوِيلِ عَصَبِيَّةِ الْخِلَافَةِ إِلَى الْفُرْسِ، تَمْهِيدًا لِإِعَادَةِ الْمُلْكِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَحِينَئِذٍ وُضِعَتْ أَحَادِيثُ الْمَهْدِيِّ مُشِيرَةً إِلَى الْعَبَّاسِيِّينَ مُصَرِّحَةً بِشَارَتِهِمْ (السَّوَادِ) وَأَشْهَرُهَا حَدِيثُ ثَوْبَانَ الْمَرْفُوعُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ هَذَا ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةَ، ثُمَّ لَا تَصِيرُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَهُمْ قَتْلًا لَمْ يَقْتُلْهُ قَوْمٌ - ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ - فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ الْمَهْدِيُّ قَالَ السِّنْدِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ مَاجَهْ، وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute