الْبَابُ الْخَامِسِ
فِي آيَاتِ اللهِ وَسُنَنِهِ فِي الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ
(وَفِيهِ ١٤ أَصْلًا)
(١) خَلْقُ اللهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَاسْتِوَاؤُهُ عَلَى عَرْشِهِ، وَنِظَامُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَسْخِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ بِأَمْرِهِ، وَكَوْنُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لَهُ وَحْدَهُ، وَذَلِكَ فِي الْآيَةِ ٥٤ وَهِيَ تَتَضَمَّنُ التَّرْغِيبَ فِي عِلْمَيِ الْفَلَكِ وَالْجُغْرَافِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ دُونَ عِلْمِ التَّنْجِيمِ الْخُرَافِيِّ، وَقَدْ بَلَغَ أَهْلُ الْغَرْبِ مِنَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ مَا لَوْ ذُكِرَ أَبْسَطُهُ وَأَبْعَدُهُ عَنِ الْغَرَابَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْعَصْرِ لَقَالَ فِيهِ أَذْكَى الْعُقَلَاءِ إِنَّهُ مِنْ هَذَيَانِ الْمَجَانِينِ، أَوْ تَخَيُّلِ الْحَشَّاشِينَ، وَلَا يُوجَدُ عِلْمٌ أَدَلُّ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ، وَدِقَّةِ حِكْمَتِهِ مِنْ عِلْمِ الْفَلَكِ، وَقَدْ كَانَ قَوْمُنَا الْعَرَبُ فِي عَهْدِ حَضَارَتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ أَعْلَمَ الْبَشَرِ بِهِ، فَصَارُوا أَجْهَلَهُمْ بِهِ.
(٢) خَلْقُ اللهِ الرِّيَاحَ وَالْمَطَرَ وَإِحْيَاؤُهُ الْأَرْضَ بِهِ، وَإِخْرَاجُهُ الثَّمَرَاتِ وَالْخِصْبَ وَضِدَّهُ، وَذَلِكَ فِي الْآيَتَيْنِ ٥٧ و٥٨ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّرْغِيبَ فِي الْعِلْمِ بِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا قُلْنَاهُ فِيمَا قَبْلَهُ ; لِأَنَّ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ مَعْرِفَةِ آيَاتِ اللهِ، وَكَمَالِ صِفَاتِهِ مَا يُعْطِي مُتَأَمِّلَهُ الْيَقِينَ فِي الْإِيمَانِ إِذَا قَصَدَهُ، وَيُغْدِقُ عَلَيْهِ نِعَمَهُ الَّتِي مَنَّ
عَلَيْهِ بِهَا، وَيُعِدُّهُ لِشُكْرِهَا فَتَجْتَمِعُ لَهُ بِذَلِكَ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، وَقَدِ اتَّسَعَتْ عُلُومُ بَعْضِ الْبَشَرِ بِذَلِكَ فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى أَكْثَرِ خَيْرَاتِ الْأَرْضِ فِي بِلَادِهِمْ، وَبِلَادِ الْجَاهِلِينَ بِهَا، الَّذِينَ أَضَاعَ الْجَهْلُ عَلَيْهِمْ دُنْيَاهُمْ وَدِينَهُمْ بِالتَّبَعِ لَهَا.
(٣) خَلْقُ اللهِ النَّاسَ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلْقُ زَوْجِهَا مِنْهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، وَإِعْدَادُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِلتَّنَاسُلِ كَمَا فِي الْآيَةِ ١٨٩ وَفِي قِصَّةِ جَنَّةِ آدَمَ وَمَعْصِيَتِهِ وَتَوْبَتِهِ مِنَ الْآيَاتِ ١٩ - ٢٥ بَعْضُ صِفَاتِ النَّشْأَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَاسْتِعْدَادِهَا وَحَالِهَا فِي سُكْنَى الْأَرْضِ.
(٤) تَفْضِيلُ اللهِ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) وَبَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالتَّفْصِيلِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ; لِأَنَّهَا أَوْسَعُ تَفْصِيلًا لِمَا تَقْتَضِيهِ قِصَّةُ آدَمَ الْمُطَوَّلَةُ فِيهَا، وَالتَّصْرِيحُ فِيهَا بِجَعْلِ آدَمَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، وَفِي بَابِ التَّأْوِيلِ هُنَالِكَ سَبْحٌ طَوِيلٌ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ فِيمَا نَعْلَمُ. فَيُرَاجَعُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ.
(٥) خَلْقُ بَنِي آدَمَ مُسْتَعِدِّينَ لِمَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى، وَإِشْهَادُ الرَّبِّ إِيَّاهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، وَشَهَادَتُهُمْ بِذَلِكَ بِمُقْتَضَى فِطْرَتِهِمْ، وَمَا مُنِحُوهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ، وَحُجَّتُهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ ١٧٢ و١٧٣ فَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُهُمَا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْجُزْءِ. وَكَذَا خَلْقُهُمْ مُسْتَعِدِّينَ لِلشِّرْكِ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ كَمَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَالْآيَةِ ١٩٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute