للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ (٦: ٨٣) وَقَالَ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ يُوسُفَ مَعَ إِخْوَتِهِ عَقِبَ ذِكْرِ أَخْذِهِ لِأَخِيهِ الشَّقِيقِ مِنْهُمْ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (١٢: ٧٦) .

وَقَالَ فِي دَرَجَاتِ الدُّنْيَا وَحْدَهَا وَهِيَ آخَرُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ: وَهُوَ

الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ (٦: ١٦٥) وَقَالَ فِي دَرَجَاتِ الدَّارِ الْآخِرَةِ بَعْدَ بَيَانِ التَّفَاضُلِ فِي الرِّزْقِ بَيْنَ الْكُفَّارِ مُرِيدِي الدُّنْيَا وَحْدَهَا وَالْمُؤْمِنِينَ مُرِيدِي الْآخِرَةِ: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (١٧: ٢١) .

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْبَشَرَ مُتَفَاوِتِينَ فِي الِاسْتِعْدَادِ وَالْعُقُولِ وَالْأَعْمَالِ، وَاقْتَضَى ذَلِكَ بِنِظَامِ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ تَفْضِيلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ دَرَجَاتٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَفِي الْمَكَانَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ عُلْيَا الدَّرَجَاتِ وَأَفْضَلُهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ مَعْنَاهُ: وَلَهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ لِذُنُوبِهِمُ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي سَبَقَتْ وُصُولَهُمْ إِلَى دَرَجَةِ الْكَمَالِ إِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً، وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ اللَّمَمِ، وَلِذُنُوبِهِمُ الْإِضَافِيَّةِ الَّتِي يُحَاسِبُونَ بِهَا أَنْفُسَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِ الْكَمَالِ كَالْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ حِينًا، وَتَرْكِ الْأَفْضَلِ إِلَى مَا دُونَهُ حِينًا آخَرَ، وَفَوْتِ بَعْضِ أَعْمَالِ الْبِرِّ الْمُمْكِنَةِ أَحْيَانًا، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِ (حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ) ، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالْكَرِيمُ يَصِفُ بِهِ الْعَرَبُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَنٍ فِي بَابِهِ لَا قُبْحَ فِيهِ، وَلَا شَكْوَى مِنْهُ.

كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>